تختلفُ بأعيانِها وتتَّفقُ في أمرٍ مقوّمٍ لها إمّا أنْ يكونَ ما تتَّفقُ فيهِ لازمًا لما تختلفُ بهِ أو ملزومًا أو عارضًا أو معروضًا، فإنَّ هذا خطأٌ؛ إذِ الأمرُ المقدَّمُ الذي اتَّفقَتْ فيهِ لا يكونُ عارضًا ولا معروضًا؛ فإنَّ ما يُقَوِّمُ الحقيقةَ عندَهم لا يكونُ عارضًا ولا معروضًا، وكان حقَّهم أنْ يقولوا: الأُمورُ التي تختلفُ بأعيانِها وتتَّفقُ في أمرٍ مِنَ الأُمور، لكِنَّ هذا اعتراضاتٌ على صورةِ الدَّليلِ وبيانِ ما فيهِ مِنَ الحشوِ والعِبارةِ التي لا يجوزُ ذِكرُها فيهِ.
الوجه الثّاني: أنْ يُقالَ: قولُهم: فإنِ اختلَفا في الوجودِ والوجوبِ فلا واجبَي الوجود، يقالُ لهم: أنتم قد جعلتُم الاختلافَ بالأعيانِ المرادَ بهِ الامتيازُ بالأعيانِ لم تريدوا (١) بالاختلافِ وجودَ أحدِهما وعُدمَ الآخر، بلِ الشَّيئانِ اللَّذانِ اشترَكا في شيءٍ، وافترَقا في شيءٍ جعلتُم ما افترَقا فيهِ اختلَفا فيه، فإذا افترَقا بأعيانِهما اختلَفا بأعيانِهما، فإذا قُلنا: اختلَفا بالوجودِ والوجوبِ فالمرادُ بهِ اختلفا بالوجودِ المعيَّنِ والوجوبِ المعيَّنِ؛ أي: هذا الوجودُ والوجوبُ المعيَّنُ، لهذا ليسَ هوَ الوجودَ والوجوبَ المعيّنَ للآخر، وحينئذٍ فإذا قيلَ: إنَّ ما اتَّفَقا فيهِ: أي: في نوعِهِ: عارضٌ لما اختلَفا فيهِ؛ أي: في عينِه، كانَ حقيقةُ الكلامِ أنَّ المشترَكَ عارضٌ للمميّزِ، وهذا حقٌّ ثابتٌ في جميعِ الأنواع، فلِمَ قُلتُم: إنَّ الوجودَ والوجوبَ المعيَّنَ لا يعرِضُ لهُ ما اشترَكا فيهِ مِنَ ماهيةٍ مطلَقةٍ (٢)، ومِنْ وجوبِ وجودٍ مطلَقٍ ونحوِ ذلكَ، بَلْ هذا هوَ الحقُّ؛ لأنَّهُ لا يَلزَمُ مِنْ وجودِ الأعيانِ الثّابتةِ في الخارجِ ثبوتُ الكُلِّيِّ المشترَكِ مَع كونهِ كُلِّيًّا مُشترَكًا، بَلْ ذلكَ مشروطٌ بمحلِّه، وهوَ الذِّهنُ
_________
(١) في المخطوط (يردوا) ولعلَّ المثبت هو الصحيح.
(٢) بعدها في المخطوط (فإن) ولا يستقيم معها الكلام، ولعلها مقحمة ولهذا لم أثبتها.
1 / 55