============================================================
المسائا المشكلة الجمعة فإني خارج، ألا ترى: أنه لو لم ينصب بالمعنى الذي في (أما) لما كان له ناصب، لأن ما بعد (أما) هذه، التقدير به أن يكون بعد الفاء، ولو وقع هذا الظرف بعد الفاء لم يكن له ناصب، لأن ما بعد (إن) لا يعمل في ما قبلها. فيعلم هذا أن العامل في الظرف المعنى الذي في (أما) من الفعل.
ويدلك أيضا على أنه بمعنى الفعل أن ما يقع بعده مما ليس بظرف، لا يعمل فيه عمله في الظرف، ألا ترى: أنه لا يجوز: أما زيدا فإني ضارب لأن (زيدا) ليس مما تعمل فيه المعاني، ولا يجوز أن يعمل فيه (ضارب) لوقوعه بعد (إن)، فإن قلت: أما زيدا فأنت ضارب، جاز، وعلم (ضارب) في (زيد). ألا ترى: أنك إذا قدرت وقوع الاسم بعد الفاء لم يمتنع (ضارب أن يعمل فيه كما يمتنع إذا دخلت (إن).
و(أما) هذه هذا المعنى الذي فيه من الجزاء يكون مستأنفا بها، ومقدرا فيها الانقطاع مما قبلها، كالجزاء ونحوه، ولذلك اختار سيبويه فيه: ضربت زيدا وأما عمرا فأكرمته، فعلى هذا بابه.
ومن هذا الباب قولهم: (كما) في قولهم: كما أنه لا يعلم فغفر الله له.
قال سيبويه: سألته -يعني الخليل عن قوله: كما أنه لا يعلم ذلك فتجاوز لله عنه، وذا حق كما أنك هنا، فزعم أن العاملة في (أن) الكاف، و(ما) لغو، إلا أن (ما) لا تحذف منها، كراهية أن يجيء لفظها مثل لفظ (كأن)، كما ألزموا النون (لأفعلن)، واللام من قولهم: إن كان ليفعل، كراهية أن يلتبس اللفظان.
ويدلك على أن الكاف العاملة قولهم: هذا حق مثل ما أنك هنا، وبعض العرب يرفع فيما حدثنا يونس وزعم أنهم يقولون: اله لحق مثل ما أيكم تنطقون [الذاريات: 23]، فلولا أن (ما) لغو لم يرتفع (مثل)، وإن نصبت (مثل) فاما) أيضا لغؤ، لأنك تقول: مثل ما أنك هنا، ولو جاعت مسقطة من الكاف في الشعر جاز، كما قال النابغة الجعدي: قروم تسامى عند باب دفاعة كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلاء(1) فاما) لا تحذف هنا في الكلام، كما لا تحذف في الكلام من (إن)، ولكنه (1) البيت للتابغة الجعدى. انظر: شعر النابغة الجعدي ص 131.
صفحه ۱۲۶