ما يكاد الحبل منه يرفَضُ، غيظًا وينقض، لأخزاه وأخجله، ونكَّس رأسه
وجهَّله.
ولما كان ذلك الذي جلبته إليك، وجلوته عليك، مما هو في الغرابة كأنه
منام، بل أضغاث أحلام، عملت هذا الكتاب الذي مُحَصَّله: أن من عرف
المراد من اسم السور عرف مقصودها، ومن حقق المقصود منها، عرف تناسب آيها، وقصصها، وجميع أجزائها.
فقد تضمن إبرازه مع ما أفاده بالقصد الأول شحذ الأذهان، ومعاناة
لمن استولت عليهم النسوان، وأكثروا لهم من الطعم والدهان، ليعلموا أن
العلم من عزة المرام، وعظمة المقام، بحيث لا يهون أبدًا، كما أنه قَط ما
هَانَ، فيرجعوا عن الفجور والزور والبهتان، فليفتحوا طريق سورة من
السور، وإن كانت في غاية الوجازة والقصر فإن كل سورة لها مقصد واحد
يدار عليه أولها وآخرها، ويستدل عليه فيها، فترتب المقدمات الدالة عليه.
على أتقن وجه، وأبدع نهج، وإذا كان فيها شيء يحتاج إلى دليك، استدل
عليه.
وهكذا في دليل الدليل، وهلم جرا.
فإذا وصل الأمر إلى غايته، ختم بما منه كان ابتدأ، ثم انعطف الكلام
إليه وعاد النظر عليه، على نهج آخر بديع، ومرقى غير الأول منيع، فتكون
السورة كالشجرة النضيرة العالية، والدوحة البهيجة الأنيقة الخالية، المزينة
بأنواع الزينة المنظومة بعد أنيق الورق بأفنان الدر، وأفنانها منعطفة إلى تلك
المقاطع كالدوائر، وكل دائرة منها لها شعبة متصلة بما قبلها، وشعبة ملتحمة
بما بعدها، وآخر السورة قد واصل أولها، كما لاحم انتهاؤها ما بعدها.
وعانق ابتداؤها ما قبلها، فصارت كل سورة دائرةً كبرى، مشتملة على دوائر الآيات الغُرِّ، البديعة النظم، العجيبة الضم، بلين تعاطف أفنانها، وحسن تواصل ثمارها وأغصانها.
1 / 149