[قصة بحيرى: جرجيس النصراني]
ثم خرج به في جماعة من قريش، حتى إذا كانوا بأرض بصرى بين مكة والشام أشرف بحيرى الراهب من صومعته، وقد كان قرأ الكتب السالفة، وعرف بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفته فرآهم مقبلين من مكة على رؤوسهم سحابة تسير إذا ساروا وتقف إذا وقفوا، فقال: ما هذه السحابة إلا على رأس نبي.
وأمر من عنده باتخاذ الطعام، ونزل القوم عند شجرة حذاء باب الدير، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عمه تحت الشجرة وقد مال فيؤها عليه، ووقفت السحابة عليها، وبحيرا ينظر، فقال لهم: معاشر قريش أجيبوني إلى الطعام؟ - وأبو جهل في العير - فقال: ما عهدنا هذا منه.
وأجابوه وأشرف بحيرا فإذا السحابة على الشجرة وفيؤها مائل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: هل تخلف عن طعامي أحد منكم؟
قالوا: نعم غلام يتيم يقال له محمد.
قال: إنه لا بأس على أمتعتكم فهلموه، فدعوا رسول الله عليه صلى الله عليه وآله وسلم فجاء إلى جنب عمه أبي طالب، وجعل بحيرا يتفسر فيه العلامات التي عرفها ، فلما فرغوا خلا بحيرا بأبي طالب، ثم قال: ياشيخ ما هذا الغلام منك؟
قال: ابني.
قال: لا ينبغي أن يكون له أب ولا أم ولاجد في الأحياء.
قال: صدقت، ابن أخي.
قال: اتق الله واحذر عليه أعداءك اليهود، ثم بكى بحيرى بكاء شديدا وقام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونظر إلى خاتم النبوة بين كتفيه، فقبل ما بين عينيه.
فلما انصرفوا قافلين إلى مكة انصرف به أبو طالب، وقام بأمره كأتم قيام، حتى نشأ رسول الله ووقعت الحرب بين قريش وكنانة وقيس عيلان بسوق عكاظ في أخبار وأشعار لهم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهرانيهم قد عصمه الله -تعالى- من كل دنس ومن كل شرك.
صفحه ۱۲۴