192

فوقع نافع على قدميه يقبلهما ويقول : ثكلتني امي ، إن سيفي بألف وفرسي مثله ، فوالله الذي من بك علي ، لا فارقتك حتى يكلا عن فري وجري.

ثم دخل الحسين (ع) خيمة زينب ، ووقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره فسمع زينب تقول له : هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟ فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة.

فقال لها : «والله ، لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب امه».

قال نافع : فلما سمعت هذا منه ، بكيت وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه ومن اخته زينب.

قال حبيب : والله ، لو لا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة. قلت : إني خلفته عند اخته وأظن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة ، فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن؟ فقام حبيب ونادى : يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة. فتطالعوا من مضاربهم كالاسود الضارية ، فقال لبني هاشم : ارجعوا إلى مقركم لا سهرت عيونكم.

ثم التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع ، فقالوا بأجمعهم : والله الذي من علينا هذا الموقف ، لو لا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة ، فطب نفسا وقر عينا. فجزاهم خيرا.

وقال هلموا معي لنواجه النسوة ونطيب خاطرهن ، فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح : يا معشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم ، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم.

فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل وقلن : أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين.

فضج القوم بالبكاء حتى كأن الأرض تميد بهم (1).

صفحه ۲۱۹