وعندما قرب منه سارع إلى ملاقاة جنابه؛ ليحظى بلثم قدمه في ركابه، وأطلق لسانه بشكره، وأثنى عليه في سره وجهره، وكان الفارس قد جمع الأسلاب، بعد أن فرق الأحزاب، وهم بدفعها إلى صاحبه؛ لتذهب عنه بالفقر وغياهبه، وقال له: اقبل هذا النزر اليسير، واعذرني في التقصير، وإن شئت فسر معي إلى الأوطان، حتى تكون آمنا في ذمامي من حوادث الأزمان، فقال له وقد اتسع صدره وانشرح، ولاحت عليه بشائر السرور والفرح: إن مفارقة الأرواح للأشباح أهون علي من فراقك يا فارس البطاح، وكيف أقدر على ذلك وقد دفعت عني المهالك، وغمرتني بالإحسان بعد أن بدلت خوفي بالأمان؟! فاسمح لي بخدمتك؛ لأعيش في نعمتك، فأجاب إلى ما طلب، وبلغه بمرافقته الأرب، والفارس المذكور هو من نسل معن بن زائدة المشهور، وهو في السماحة آية، وفي الجود غاية، وفي الحلم لا يجارى، وفي العلم والرواية لا يبارى، وفي الشعر حسان، وفي البلاغة سحبان، وله دراية تامة بالأخبار، ومعرفة كاملة بالآثار، وهو أول مبادر إلى سماع النوادر؛ قيل إنه خرج غير مرة من جميع ماله بدون احتياج أحد من الناس إلى سؤاله، ولطالما كان يترنم في المحافل بقول القائل:
المال ينفد والثناء يخلد
والجود في كل المواطن يحمد
وأخو السماحة في البلاد جميعها
بين العباد على الدوام مسود
ونقل عنه صاحبه الذي فاز منه بالذمام، واستغرق في خدمته عدة من الشهور والأعوام، أنهم دخلوا عليه في ناديه بمغلول، وقتيل على الأعناق محمول، وقيل له: إن ابن أخيك قتل ابنك عمدا بلا شريك، فأمر بإطلاقه من حبال وثاقه، وقال له وقد عافاه من القصاص، ومن عليه بالخلاص:
قتلت أخا كريما كان عونا
على الأعداء في يوم الكفاح
وبالإثم ارتديت ولست تدري
بأنك صرت مقصوص الجناح
صفحه نامشخص