وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ، وقد أمرنا بالدعاء فلا نيأس من الإجابة، وفقني الله وإياك للإصابة.
فقال الخليع وقد تمكن منه الغضب، وانحرف عن سنة العجم والعرب، وكاد يحترق من نار غيظه بلهب أو يقتل نفسه ويذهب فيمن ذهب: إن استجاب الله دعاك، وبلغت على زعمك مناك، صفعت قفا الزمن، ورفعت ألوية الفتن، وإلا خضبت بدني بالسواد، وهمت مع أبناء جنسك في كل واد.
ولولا أنه خلى سبيله وراح، وغاب عن نظره في البطاح، لضربه في الحرم، وتعدى عليه وظلم، لكن لخوف ابن الصريع من أن هذا العبد ربما نال ما رام، ندم على ما شجر بينهما من الخصام، وتذكر في الحال قول من قال:
وإذا العناية صادفت عبد الشرى
نفذت على ساداته أحكامه
ولما مضت أوقات الحج، وانقضت سويعات العج والثج، وحن كل إنسان إلى موطنه، واشتاق إلى أهله وسكنه؛ امتطى كل فريق متن طريق، فأما الزنجي فلم يعلم أين درج، ولا على أي سلم عرج، وأما الخليع فكان من جملة من ركب البحر بعد فوات عشر من عيد النحر؛ لأنه لتمام الخيبة، لم ينتجع طيبة، ولم يتمتع قبل القفول بزيارة الرسول، وعند حلوله بالسفينة، مع فتية من أهل الوقار والسكينة، انتقلت بهم بعد نشر الشراع من أشرف البقاع، إلى الجهة التي أملوا الوصول إليها، وعطفوا بالحمول عليها، وقد كان في هذه البرهة معرضا بجانبه عن الناس، كأنه من ملوك بني أمية أو من خلفاء بني العباس، وما ذاك إلا لاستغنائه بالقناعة عن مخالطة أحد الجماعة؛ ولذا كان يترنم في الرواح والغدو بقول من كان في عزلة عن الحبيب والعدو:
وأدبني الزمان فلا أبالي
هجرت فلا أزار ولا أزور
ولست بقائل ما عشت يوما
أسار الجند أم ركب الأمير
صفحه نامشخص