أما الرئة فإن قصبتها تبتدئ من أقصى الفم على ما ذكرنا حتى إذا جاءت إلى ما دون الترقوة انقسمت قسمين. وينقسم كل قسم منها أقساما كثيرة. وانتسج واحتشى حواليها لحم الرئة، فصار من جملة هذا، القصبة والعروق التي تحتها واللحم الذي احتشى حواليها بدن الرئة. فنصف الرئة في تجويف الصدر الأيمن والنصف الآخر في الأيسر. وأما قصبة الرئة فإنها مؤلفة من غضاريف مهيأة في شكل الدوائر لكنها ليست بدوائر تامة بل مقدار ثلثي دائرة ويصل ما بين طرفيها غشاء لين يمر على خط مستقيم كهذا الشكل. ويصل مابين هذه الحلق أغشية لينة. فأما الحلق نفسها فصلبة غضروفية وحدبة هذه الحلق تلي ظاهر البدن وتلمس باليد. وأما الموضع المستقيم منها فيلاصق المريء، وإن أنت توهمت أنبوبتي قصب، شق أحدهما على الثلث أو الثلثين، والزق على ما شق منه كاغد، ثم جيء به فضم إلى الأنبوبة الأخرى وألصق بها حيث هذا الكاغد كنت قد لاحظت هيئة قصبة الرئة والمريء في وضعهما ملاحظة كاملة. فهذا التجويف الأعلى كله إنما هيىء من أجل التنفس. وذلك أن الصدر إذا انبسط جذب الرئة وبسطها وإذا انبسطت الرئة اجتذبت الهواء من خارج فكان ذلك أحد جزئي التنفس. وهو تنشق الهواء ثم أن الصدر ينقبض فتنقبض الرئة ويكون بانقباضها إخراج التنفس وهو الجزء الثاني. واحتيج إلى تنشق الهواء الخارج وإخراجه بعد ذلك للترويح عن القلب. فإن الهواء الذي يستنشق يصل شيء منه إلى القلب في المنافذ التي بينها وبين القلب وإذا سخن ذلك الهواء الذي اجتذب احتيج إلى إخراجه للاستبدال به فانقبض الصدر وقبض الرئة وأخرجه ثم عاد فانبسط وبسط الرئة فدخلها هواء آخر على مثال الزقاق التي ينفخ بها النار. فإنها إذا انبسطت امتلأت من الهواء ثم إذا انقبضت انفرغت منه. وقسم الصدر في طوله إلى تجويفين، وجعل في كل تجويف منه نصف الرئة لكي يكون للتنفس آلتان، فإن حدث على واحدة منهما حادثة قامت الأخرى بما يحتاج إليه كالحال في العينين. وذلك أن هذا الفعل أعني التنفسي لشرفه وشدة الاضطرار إليه في بقاء الحياة، كان واجبا أن يحتاط فيه غاية الاحتياط. ولعمري قد فعل ذلك في غاية الإحكام. فإنه كثيرا ما يصيب الصدر جراحة نافذة في أحد جانبيه فيقوم الجانب الآخر بالحاجة إلى التنفس. وأما إذا حدث على الجانبين معا ذلك فإن الحيوان يعيش بمقدار ما يعيش المخنوق فقط.
وأما قصبة الرئة فلما كانت ملاصقة للمريء من باطنها، وكان المريء منفذا للطعام والشراب جعل الذي بينهما منه غشاء لين ليندفع في حال بلع الشيء ولا يضيق على المريء. ولولا كراهية خروج هذا الكتاب عن حده ومقداره الذي قصدنا له لذكرنا هيئة الأعضاء ومنافعها ذكرا أوسع. ولكننا من أجل ذلك نختصر ونقتصر ما أمكن.
في هيئة القلب:
صفحه ۶۴