بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، أما بعد:
صفحه ۱۷
ينبغي للإنسان أن يدرب عقله في الصناعات التي يعرف منها جملا ينتفع بها عند الحاجة إليها في الوقت الذي يعرض فيها، فإنه لا يستغني عن شيء من الصناعات بحاجته إليها بحال ما يحتاح إليه، ويجب عليه معرفة ما به الحاجة إليه أشد من تقويم جسده وسياسته، وحفظه، وذلك علم غامض دقيق يحتاج في مذهبه إلى فهم ذكي وفطنة لطيفة. ثم يعرف بعد ذلك سائر الصناعات التي يستعين بها على ما ينفعه. فالصناعة التي يحتاج إليها في سياسة، جسده وتقويمه، تسمى الطب. وينقسم قسمين: أحدهما تدبير الجسد الصحيح ليثبت له صحته، والآخر رد الجسم السقيم إلى حال الصحة. والواجب على الإنسان العناية بالعلم الذي به وبمعرفته يمكن سياسة جسده في حالتي الصحة والمرض، وأن يتدرب في ذلك ويلزم نفسه العناية به لينتفع بذلك وقت الحاجة إليه، فإنه لا يدري متى يعرض حاجته إليه من الأوقات والأزمنة والمواضع والأماكن فليس يقدر في كل وقت ولا في كل زمان ولا في كل بلد وموضع يعرض فيه على طبيب يعالجه. فاذا لم يعلم الإنسان علم الطب، ولم يعرف من ذلك ما يعالج به داء اعتراه ولم يجد مطببا يتولى ذلك منه، تأدى أمره في مرضه إلى موت أو إلى داء مزمن لا يعذر له على شفاء ولا برؤ. فليحرص الإنسان على علم ما يكسبه صحة وعافية ويدفع عنه مرضا وعلة. وقد جمعت في كتابي هذا جملا وعيونا ونكتا من صناعة الطب مما استخرجته من كتب بقراط وجالينوس وأرماسوس ومن دونهم من القدماء وفلاسفة الأطباء ومن بعدهم من المحدثين في إحكام الطب والمفاقهة فيه مثل بولس وأهرون وحنين بن إسحق ويحيى بن ماسويه وغيرهم. وفصلت ذلك على غاية الإيجاز والاختصار مع الاستقصاء لأقاويلهم واستخراج نصوص كلامهم، وجعلت كتابي هذا عشر مقالات. وفي كل مقالة فصولا معلمة بالحروف على ما ينبغي من مراتب عددها ليسهل إصابة ما يراد منها. والله أسأل العون والتوفيق على ما يرضيه ويقرب إليه ويدني منه.
أغراض مقالات الكتاب:
صفحه ۱۸
المقالة الأولى: في المدخل في الطب. وفي شكل الأعضاء وهيئتها. المقالة الثانية: في تعرف مزاج الأبدان والأخلاط الغالبة عليها
والاستدلالات الوجيزة الجامعة من الفراسة.
المقالة الثالثة: في قوى الأغذية والأدوية.
المقالة الرابعة: في حفظ الصحة.
المقالة الخامسة: في الزينة.
المقالة السادسة: في تدبير المسافرين.
المقالة السابعة: جمل وجوامع من صناعة الجبر والخراجات والقروح.
المقالة الثامنة: في السموم والهوام.
المقالة التاسعة: في الأمراض الحادثة من القرن إلى القدم.
المقالة العاشرة: في الحميات وما يتبع ذلك مما يحتاج إلى معرفته في تجويد علاجها.
فصول المقالة الأولى: وهي سبعة وعشرون فصلا:
جمل وجوامع احتيج إلى تقديمها في صدر هذه المقالة. في هيئة الأعضاء وخواصها. في هيئة العظام. في هيئة العضل. في العصب. في العروق. في الشرايين. في هيئة الدماغ. في هيئة العين. في هيئة الأذن. في هيئة الأنف. في هيئة الصماخ. في هيئة اللسان. في هيئة الحلق. في هيئة الصدر والرئة. في هيئة القلب. في هيئة المريء والمعدة. في هيئة الأمعاء. في هيئة الكبد. في هيئة الطحال. في هيئة المرارة. في هيئة الكلى. في هيئة المثانة. في ذكر جمل وجوامع من منافع آلات الغذاء. في هيئة المراق. في هيئة الأنثيين والقضيب. في هيئة الثدي. في هيئة الرحم.
فصول المقالة الثانية: وهي سبعة وخمسون فصلا:
صفحه ۱۹
جمل وجوامع في تعرف الأمزجة. في علامات البدن المعتدل. في علامات المزاج الحار. في علامات المزاج البارد. في علامات المزاج الرطب. في علامات المزاج اليابس. في علامات المزاج الحار اليابس. في علامات المزاج البارد الرطب. في علامات مزاج الدماغ. في علامات مزاج القلب. في الاستدلال على مزاج المعدة. في الاستدلال على مزاج الأنثيين. ذكر نكت ولواحق يستعان بها على تعرف الأمزجة. ذكر علامات جزئية يستشهد بها مع سائر الدلائل ويستعان بها في بعض الأحوال على تعرف الأمزجة المختلطة. في علامات ضعف العصب. في مزاج الأعضاء والأخلاط. في تعرف الامتلاء. في تعرف الخلط الغالب في دلائل غلبة الصفراء. في دلائل غلبة السوداء. في دلائل غلبة البلغم. في شراء الماليك. في دلائل الشعر. في دلائل اللون. في دلائل العين. في دلائل الحاجب. في دلائل الأنف. في دلائل الجبهة. في دلائل الشفة والفم والأسنان. في دلائل الوجه والصورة. في دلائل الأذن. في دلائل الكلام والصوت. في دلائل اللحم. في دلائل الضحك. في دلائل الحركات. في دلائل العنق. في دلائل البطن. في دلائل الظهر. في دلائل الكتف. في دلائل الذراع. في دلائل الكف. في دلائل الحقو والورك والساق والقدم. في دلائل الرجل والخطى. في علامات الشجاعة. في دلائل الجبن. في دلائل الرجل الجيد الفهم الرقيق الطبع. في دلائل الرجل الفيلسوف. في دلائل الرجال الغليظ الطبع. في دلائل الرجل الوقح. في دلائل الرجل المر النفس. في دلائل الشبق. في دلائل أخلاق الأنثى. في أخلاق الخصي. جمل وجوامع يحتاج إليها في أحكام الفراسة واستقصائها.
فصول المقالة الثالثة: وهي أربعة وعشرون فصلا:
قول مجمل كلي يستعان به على تعرف قوى الأغذية والأدوية. في قوى الاغذية والأدوية. في قوى الحبوب المألوفة التي يتخذ منها الخبز. فيما يتخذ من الحنطة والشعير. في قوة الماء. في قوة الشراب. في قوة الأشربة غير المسكرة. في قوة اللحمان. في قوة أعضاء الحيوان. في القوة التي يكتسبها الطعام من الصنعة. في الحلوى. في قوة البيض. في قوة اللبن الرائب والزبد والجبن ومائه والمصل والرحنين والمخيض والسمن. في قوة السمك. في قوة التوابل والأبازير. في البقول وما يستعمل منها في الطبخ. في قوة الكواميخ والرواصيل والبهارات والصباغات. في الفواكه والثمار. في الرياحين. في الطيب. في الأدهان. في الملابس. في الرياح والأهوية. في البلدان. في قوة المربيات. في الأدوية التي يكثر استعمالها.
صفحه ۲۱
فصول المقالة الرابعة: وهي إحدى وثلاثون فصلا.
ذكر جمل حفظ الصحة وجوامعها. في تقدير الحركة وحالها ووقتها. في تقدير النوم ووقته ومنافعه ومضاره. في تدبير المطعم. في تدبير المشرب. في تنقية البدن من الفضول. في اختيار المجالس والمساكن. في الإنذار بالحوادث الرديئة قبل أن تقوى وتعظم. في الهمم النفسية. في العادات. فيما يدفع ضرر الأغذية غير الموافقة. فيما يدفع ضرر الشراب. فيما ينوب عن النبيذ. في منافع إخراج الدم ومضاره وجهة استعماله. في منافع الإسهال ومضاره وجهة استعماله. في القيء. في منافع الجماع ومضاره. في منافع الحمام ومضاره. في سحنة البدن المحمودة. في السواك ومنافعه. في حفظ الأسنان. في حفظ العين. في حفظ السمع. في الأمراض المعدية. في الوباء والاحتراس منه. في تدبير البدن بحسب الأزمنة. في تدبير المرأة الحبلى وحفظ الجنين. في تسهيل الولادة. في تدبير النفساء. في تدبير الطفل. في اختيار الظئر وتدبيرها. في جملة تدبير سائر الإنسان. في محنة الطبيب.
فصول المقالة الخامسة: وهي خمسة وسبعون فصلا
صفحه ۲۲
في الزينة. في الحزاز. في تمرط الشعر. في إنبات الشعر. في المواضع التي تراد في حفظ الشعر المتساقط وتطويله وعلاج ابتداء الصلع. في تشقق أطراف الشعر. في تجعيد الشعر. في تبسيط الشعر. في خضاب يسود الشعر. في تدبير من يريد ألا يسرع إليه الشيب. في تحمير الشعر وتشقيره. في تبييض الشعر. في الذي يحلق الشعر ويرقه ويمرطه ويمنع نباته. فيما ينطل الشعر من أصله. فيما يقلع رائحة النورة. فيما يمنع حرق النورة للبدن وعلاج ما احترق. في السعفة. فيما يبيض الوجه ويبرق البشرة ويرقها ويصفيها. فيما يحمر اللون. فيما يصفر اللون. فيما يسود اللون. في الكلف. في البرش والنمش. فيما يقلع البثور والقروح. في السعفة الحمراء الكائنة في الوجه. في الخضرة الكائنة عن ضربة. في الوشم. فيما يذهب بآثاره الجدري. في الحكة والجرب. في الشري. في الحصف. في القوباء. في البهق الأبيض في البرص الكائن في الأشفار. في البهق الأسود. في الجذام. في الثآليل. في إنبات الشعر في الأشفار. في القمل الكائن في الأشفار. في الشعيرة. في الجسا. في نتوء العين. في صلابة الأجفان. في بخر الأنف. في البخر في الفم. فيما يكسر رائحة الثوم والبصل والكراث إذا أكلت. فيما يخفي رائحة الشراب ويكسر منه رائحته. فيما يقطع اللعاب السائل من الفم. في النوم واليقظة. فيما يجلو الأسنان ويذهب بالحفر. فيما يمنع من تآكل الأسنان. فيما يمنع من سقوط الأسنان المتحركة. فيما يذهب بالضرس. في تنقية وسخ الأذن. فيما يذهب بالصنان. فيما يمنع عرق الرجل. فيما يطيب عرق البدن. فيما يذهب نتن البول والبخر. في حفظ جثة الميت لئلا تنتن وتعفن. فيما يمنع خصى الغلمان وثدي الجواري أن يسرع إليها العظم. فيما يحدث في الأظفار من السماجة. في شقاق الشفة والوجه وظهر الكف. في الانتفاخ والحكة التي تعرض للأصابع في أيام الخريف والشتاء. فيما يخصب البدن. فيما يهزل البدن. فيما يزيد في المني والإنعاظ. فيما يعظم الذكر. فيما يضيق القبل. فيما يذهب الرطوبة التي فيه. فيما يسخن القبل. فيما يزيد في اللذة. في علاج العذيوط. في علاج من ضعف عن الإكثار من الجماع في تقليل المني والإنعاظ. فيما يعين على الحبل. فيما يمنع من الحمل ويسقط الأجنة. فيما يعين على الاستكثار من الجماع المفرط الكثير. فيما يعين على الاستكثار من الشراب. فيما يسرع بالسكر. فيما يخفف عن السكران ويعجل صحوه. في علاج الخمار.
فصول المقالة السادسة: وهي تسعة عشر فصلا:
في تدبير المسافرين. في الاحتراس من الحر وتلاحق ما يحدث من ضرره بالمسافرين. في الاحتراس من السموم وتلاحق ما يحدث عنها ومن نكايتها. في تسكين العطش ودفع مضاره. في تدبير من احتاج أن يسافر في البرد والحر الشديد. في علاج من أصابه جمود من البرد. في الغشي من الجوع. في حفظ الأطراف وعلاج ما بدا يفسد منها. في العين إذا قمرت من الثلج وعلاج ما فسد منها. في الحرقة والوجع الحادثين في العين من شدة البرد والريح. في التعب والإعياء. في إعداد البدن للسفر وتدبير الغذاء فيه. فيما يدفع ضرر الأمياه ورداءتها. في تدبير العساكر. في تدبير راكب البحر. فيما يمنع تولد القمل. فيما يمنع شحوب الوجه من الشمس والريح. فيما يمنع من الشقاق في العقب. في السحج الحادث من الركوب أو من الخف أو من النعل. في السقطة والضربة على الرأس.
فصول المقالة السابعة: وهي سبعة وعشرون فصلا:
صفحه ۲۴
جمل وجوامع من صناعة الجبر. في تليين الصلابات الباقية في الأعضاء بعد انجبارها. جمل وعيون وجوامع من علاجات القروح والخراجات. في الأدوية التي تنبت اللحم. في التي تدمل القروح. في التي تنقص اللحم الزائد. في التي تفجر الخراجات وتغني عن البط بالحديد. في الخنازير. في السرطان. في الدماميل. في الورم الحار. في الورم الرخو. في الورم الصلب. في السلع. في العقد الغددية. في النملة. في النار الفارسي. في حرق النار والماء والدهن. في الداحس. في نزف الدم عن جراحة. في الفصد في الحجامة. في العلق. في العرق المدني. في إخراج النصول والشوك والسلي. في الشجاج. في مخارق المائتين.
فصول المقالة الثامنة: وهي خمسة وخمسون فصلا:
صفحه ۲۵
جمل وجوامع من علاج السموم ونهش الهوام والاحتراس منها. في نهش الأفاعي. في لدغ العقارب. في لدغ الجرارات. في نهش الرتيلا والشبث والعنكبوت. في لدغ الزنابير والنحل والنمل الطيار ذي الحمة. في نهش العضاية والوزغة. فيما يطرد الحشرات والهوام والسباع ويقتلها. في عض الكلاب غير الكلبة والسباع والنمور والإنسان. في عض الكلب الكلب. فيمن سقي البيش. فيمن سقي قرون السنبل. فيمن سقي مرارة النمر. فيمن سقي مرارة الأفعى. فيمن سقي طرف ذنب الأيل. فيمن سقي عرق الدابة. فيمن سقي الذراريح. فيمن سقي الزبيب الجبلي. فيمن سقي الأفيون. فيمن سقي الشوكران. فيمن سقي اليبروح. فيمن سقي جوز ماثل. فيمن شرب البنج. فيمن شرب ماء الكزبرة الرطبة. فيمن سقي البزر قطونا. فيمن سقي الفطر والكمأة القتالين. في اللبن إذا تجمد في المعدة. في الشواء المغموم. في أكل السمك البارد. في اللبن الفاسد. في اللبوب التي قد خمت والأدهان التي قد زنخت ونحوها. في سقي الضفادع الآجامية والنهرية. في سقي الأرنب البحري. في سقي الجند بيد ستر الرديىء. في سقي صمغ السذاب الجبلي. في سقي البلاذر. فيمن أضر به شرب البلاذر. فيمن سقي الدفلى. فيمن أضر به شرب العنصل. فيمن أضر به شرب بزر الأنجرة. فيمن أضر به شرب الماء البارد. فيمن شرب الجبسين. فيمن شرب المرتك. فيمن شرب الزيبق أو صب منه في أذنه. فيمن سقي الأسفيداج. فيمن سقي النورة والزرنيخ. فيمن أضر به خبث الحديد أو سقي من برادته. فيمن سقي الزنجار. فيمن صقي الزاج والشب وأكثر منه. فيمن سقي اليتوعات. فيمن سقي الخربق الأبيض والجبهلنك والكندس والعرطنيثا. فيمن سقي التربد. فيمن سقي الفرفيون. فيمن سقي المازريون بإفراط. في قوى الأدوية المسهلة ومقاديرها وإصلاحها. مثال في تركيب الأدوية المسهلة.
فصول المقالة التاسعة: وهي خمسة وتسعون فصلا:
صفحه ۲۶
في الصداع والشقيقة. في الدوار. في السرسام. في السكتة. في السبات. في الشخوص. في الفالج. في الخدر. في الرعشة. في اللقوة. في التشنج. في النسيان. في الصرع. في الكابوس. في الماليخوليا. في الزكام. في الرمد. في القروح في العين. في البياض الحادث في العين. في الجرب والسبل في العين. في الحكة في المآق والجفن. في الظفرة. في الطرفة. في الدمعة. في ضعف البصر. في انتفاخ الأجفان. في الشعر المنقلب الذي ينخس العين. في الماء النازل في العين. في العشا. في الانتثار. في الناصور الكائن في الآماق. في الوجع الحادث في الأذن. في القرحة الكائنة في الأذن. في الدوي والطنين في الأذن. في ثقل السمع. في الدود والهوام الداخلة في الأذن. فيما ينشب في الأذن. في الرعاف. في القروح في الأنف. في البواسير الحادثة في الأنف. في الخشم. في وجع الأسنان. في قلع الأسنان وتفتيتها. في الضرس والخدر في الأسنان. في القلاع. في اللثة الدامية والعفنة. في الضرس الذي يتوجع إذا مسه شيء بارد. في سقوط اللهاة. في العلق المبتلع. فيما ينشب في الحلق من شوك أو عظم أو غيره. في ثقل اللسان. في اندلاع اللسان. في الغدة التي تنعقد تحت اللسان وتسمى الضفدع. في الأورام الحادثة في اللسان. في الخوانيق. في السعال. في الربو. في ذات الجنب. في ذات الرئة. في نفث الدم. وتنخعه. في السل. في الخفقان. في الهيضة. في سوء الهضم. في أوجاع المعدة. في الفواق. في الشهوة الكلبية. في أوجاع الكبد. في اليرقان. في الاستسقاء. في أوجاع الطحال. في القولنج. في الخلفة. في عسر البول. في الحصاة. في الورم الحادث في الكلي والمثانة. في حرقة البول. في بول الدم والمدة. في سلس البول. في الدود الكائن في البطن والمقعدة. في نتوء المقعدة. في البواسير والنواصير والشقاق. في قطع الطمث. في إدرار الطمث. في الشقاق في القبل. في الورم الحادث في الرحم. في القروح في الأرحام. في اختناق الأرحام. في العلة المسماة الرجا. في الفتق والقرو. في النقرس وعرق النسا. في الحدبة. في الدوالي. في داء الفيل. في القطاة. في الوجع الحادث في الأعضاء الظاهرة.
فصول المقالة العاشرة: وهي أربعة وثلاثون فصلا:
في الحمى التي يسميها الأطباء حمى يوم. في حمى الدق. في الحمى التي تنوب يوما ويوما ويسميها الأطباء حمى الغب. في الحمى الحارة اللازمة التي يسميها الأطباء الحمى المحرقة. في الحمى المطبقة. في الحمى النائبة كل يوم والمسماة البلغمية. في حمى الربع. في الحميات المختلفة التي تنوب خمسا وسدسا. في الحميات الدائمة. في الحمى الي يعرض معها الحر والبرد في حالة واحدة. في النافض التي لا تسخن. في الحمى الغشية التي مع رقة الأخلاط وحدتها. في الحمى الغشية التي مع كثرة الأخلاط اللينة. في الحميات الكائنة عن الأورام. في الحمى الوبائية. في الحميات المركبة. في الجدري والحصبة. فيما يحتاج إلى معرفته في تدبير الأمراض الحادة في العلامات الجيدة. في العلامات الرديئة. في معرفة أزمان الحمى. في معرفة النضج. في البحران. في معرفة أنواع الاستفراغ الذي يكون به البحران. في معرفة العلامات الدالة على جودة البحران ورداءته وتامه وناقصه. في البول. في البراز. في النبض. في تدبير الأمراض الحادة. في تدبير الناقه. فتلك جميع فصول المقالات وهي معمول بها.
صفحه ۲۷
المقالة الأولى جمل وجوامع احتيج إلى تقديمها في صدر هذه المقالة: المدخل في الطب
الطب حفظ الصحة في الأجساد الصحيحة، ودفع المرض عن الأجسام السقيمة، وردها إلى صحتها. ويتجزأ إلى جزأين وهما العلم والعمل.
فالجزء الأول ينقسم إلى ثلاثة اقسام: أحدها معرفة الأشياء الطبيعية، والثاني معرفة العلل، والثالث معرفة الدلائل.
فالأشياء الطبيعية سبعة: استقصات، ومزاجات، وأخلاط، وأعضاء، وقوى، وأرواح، وأفعال.
صفحه ۲۹
والاستقصات، أربعة: نار حارة يابسة. وهواء حار رطب. وماء بارد رطب. وأرض باردة يابسة. وقد خالف مادريوس هذا القول وقال: إن الاستقصات التي هي العناصر الأولى أربعة: نار حارة، وهواء بارد، وماء رطب، وتراب يابس. وأن الهيولى والبسائط التي وصفها بعض القدماء وذكروا أنها موجودة بالوهم باطلة. والأصول هذه هي التي توجد حواسنا. ومنها خلق الله جميع الخلق والبهائم. وإليها ترجع إذا انحلت تراكيبها. وقوام كل شيء في هذا العالم، بهذه الأربع أمهات، ومنها يتكون ويتراكب. ولا يستغني عنها حيوان ولا نبات. والزمان مفصل على عدد هذه الأمهات وكذلك الآفاق. فأفق المشرق حار يابس، وأفق الجنوب حار رطب. وأفق المغرب بارد رطب وأفق الشمال بارد يابس.
والمزاجات، تسعة: واحد منها مستوي، وهو المزاج المعتدل. وثمانية غير مستوية وهي المزاجات الخارجة عن الاعتدال. أربعة منها مفردة: حار، بارد، رطب، يابس. وأربعة مؤلفة: حار يابس، وحار رطب، وبارد يابس، وبارد رطب.
صفحه ۳۰
والأخلاط (الأمشاج) أربعة: دم، بلغم، مرة صفراء، ومرة سوداء. والبلغم؛ منه حلو وهو حار رطب. ومنه مالح. وهو حار يابس. ومنه حامض وهو بارد يابس. ومنه مسيخ وهو بارد رطب. ومنه نوع خامس زجاجي، وهو أبرد أنواع البلغم وأرطبها. ولا يستحيل إلى الدم. وكل خلط يخرج من الفم بالقيء أو بالبصاق أو ينحدر من الرأس أويخرج من الفم بالتنخع، ولا طعم له في طبيعته يسمى بلغما. فإذا خالف مزاجه واكتسب طعما بحرارة مفرطة، نسب إلى الطعم الذي يغلب عليه. فإن كانت الحرارة التي تعمل في البلغم حرارة طبيعية هضمته وصيرته عذبا حلوا كطعم الدم. وهذا اصنف من البلغم لا تغتذي به الطبيعة كما تغتذى من الدم. فإن كانت الحرارة العاملة في البلغم حرارة خارجة عن الطبيعة قهرته وهضمته وصيرته مالحا. وإن قهرها صار البلغم حامضا. وأما إن كانت الحرارة التي تعمل في البلغم حرارة طبيعية. هضمته وصيرته عذبا حلوا كطعم الدم. وهذا الصنف من البلغم تغتذي به الطبيعة كما تغتذي من الدم.
والبلغم يتولد في البدن من أطعمة باردة رطبة في الهضم الأول الكائن في المعدة. وهو يتولد من غذاء لم يستحكم انهضامه. ولذلك لم تحدث الطبيعة له وعاء يقبله كالعروق والأوردة التي هي وعاء للدم، وكالمرارة التي هي وعاء للصفراء، وكالطحال الذي هو وعاء للسوداء. فما صار منه إلى الكبد وجداوله استحال وصار دما، وما بقي منه في الأمعاء ولم ينحدر إلى الكبد، اندفع من الأمعاء وانغسل بالمرة الصفراء المنقية للأمعاء الغاسلة لها بحدتها وحرافتها كالبورق الغاسل الجالي.
والبلغم الحلو العذب لا يخرج من البدن لحاجة البدن إليه لأنه يغذوه كالدم. وكذلك البلغم الطبيعي الذي لا طعم له. وهذان النوعان من البلغم، أعني البلغم الحلو والبلغم الذي لا طعم له كالماء، لا يخرجان من البدن لحاجة البدن إليهما لحركة المفاصل وترطيب الأعضاء والدماغ خاصة لئلا يجف فيصيرإلى الفساد .
وأما النوعان الآخران من البلغم أعني المالح والحامض، فإنهما خارجان من الطبيعة فينقيان البدن وينقى البدن منهما.
والمرة الصفراء: منها ما يتولد في الكبد ومنها ما يتولد في المعدة...
صفحه ۳۱
أما المتولدة في الكبد فهي أربعة أنواع: النوع الأول القرمزية، والنوع الثاني المرة الصفراء وهي أرق من القرمزية وتصير في مثل هذه الحال لمخالطة المائية للقرمزية، والنوع الثالث المحية وهي كمح البيض والتي تشبه صفرتها صفرته، وهي أغلظ من القرمزية وتكون على هذه الحال لانعدام المائية فيها. والنوع الرابع هي المرة الحمراء، وهي تشبه الدم الرقيق، وتكون على هذه الحال إما لانعدام المائية اليسيرة التي في المرة المسماة القرمزية وإما لمخالطة الرهل الدمي.
أما المتولدة في المعدة فهي ثلاثة أنواع: النوع الأول منها يسمى الكراثي لأن خضرته تشبه لون الكراث. والنوع الثاني يسمى الصديء أو الزنجاري لأن لونه شبيه بلون الزنجار والنوع الثالث يسمى النيلجي لأن لونه يشبه لون النيلج.
صفحه ۳۲
والمرة السوداء نوعان: النوع الأول المرة السوداء الطبيعية، وهي عكر الدم ويسميها الحكماء الخلط الأسود ولا يسمونها المرة السوداء ليفصلوا ما بين المرة السوداء الطبيعية والمرة السوداء الخارجة عن الطبيعة. والنوع الثاني من المرة السوداء خارج عن الطبيعة ويكون من الاحتراق، وهذا النوع لا يخلو أن يكون إما من احتراق الخلط المسمى الخلط الأسود الذي هو عكر الدم، وإما من احتراق المرة الصفراء بإفراط الحرارة عليها، وإما من احتراق الدم إذا احتد وفسد. وقال بعض العلماء إنه يكون من احتراق البلغم إذا عفن وطالت عفونته وكثرت الحرارة فيه وصيرته عكرا غليظا أسودا أرضيا. فالمرة السوداء التي تسمى الخلط الأسود الشبيه بعكر الدم، منفعتها في البدن كثيرة، وأنها إذا خرجت بالقيء أو غير ذلك لم يوجد لها طعم معلوم ينسب إليه، وإذا صارت على الأرض لم تغل الأرض كما تغلي من الخل إذا لاقاها. ولم تتقرح الأعضاء التي فيها. ولها خاصية ثالثة وهي أن الذباب والبعوض وسائر الحيوانات إذا شمتها وذاقتها لم تهرب منها. ولها خاصية رابعة، وهي أنها إذا كثرت في البدن وفاضت واندفعت من الطبيعة خف لها البدن وسر بخروجها ولم يتأذ بذلك بل يقوى على أفعاله الطبيعية بخروج بعضها. ويستدل على المرة السوداء الخارجة من الطبيعية بخواصها المخالفة لخواص المرة السوداء الطبيعية المسماة الخلط الأسود. وذلك أن أول خاصيتها أن طعمها طعم عفصي حامضي. ولها خاصية أخرى أنها تقرح جميع الأعضاء التي تمر فيها. وخاصيتها. الثالثة أنها إذا لاقت الأرض غلت عليها وانتفخت وفعلت كفعل الخل بها. ولها خاصية رابعة، وهي أن الذباب والبعوض وسائر الحيوانات إذا شمتها هربت منها وتنحت عنها. كما أنها لها خاصية خامسة وهي أن في خروجها هلاك للبدن وبواره لصعوبة مخرجها وتقرح الأعضاء التي تمر بها. كما قال أبقراط إن سحج الأمعاء الذي يكون من المرة السوداء قتال مميت.
في هيئة الأعضاء:
الأعضاء منها ما يشبه بعض أجزائها بعضا وتدعى المتشابهة الأجزاء، كالعظام والعصب والعروق واللحم والشحم. ومنها ما لايشبه بعض أجزائها بعضا، كالرأس والصدر واليدين والرجلين.
صفحه ۳۳
وأيضا فإن الأعضاء منها رئيس شريف وهي أربعة: الدماغ والقلب والكبد والأنثيين. ومنها خادم نايب وهي أربعة: العصب والعروق والنوابض والأوردة ومعابر المني. ومنها ما ليس برئيس ولا خادم وتدبرها القوى الطبيعية فقط: كالعظام والغضاريف واللحم البسيط والشحم والحجب وما أشبه ذلك. ومنها ماله القوى الطبيعية ويأتيها قوى من الأعضاء الرئيسية كالمعدة التي لها القوة الجاذبة والممسكة. وتأتي إليها القوة الحسية من الدماغ والأعضاء الباطنة، وهي المعطية قوة الحركة للأعضاء الظاهرة والمحركة. وهي فقيرة بالحس للأعضاء غنية بالقوة. والأعضاء البرانية غنية بالحس فقيرة بالقوة ليس لها في طباعها قوة، ولكنها تقبل قوة الحرارة والحياة من القلب بالعروق وتقبل الدم من الكبد بالأوردة والجداول لغذائها وقوتها، وتقبل الحس والحركة من الدماغ بالأعصاب. ولو كان للأعضاء الرئيسية حسن كثير في نفسها وغريزتها، وكانت الأعضاء البرانية قوية لا ينقص الجسد وفد الأفعال. وذلك كالكبد الذي لو كان له حس كحس الأصابع واليدين والرجلين لكان متى عرض له وجع امتنع عن أفعاله ولم يقدر أن يكمل فعله من جذب الكيلوس وتغييره وتصييره دما وإجرائه إلى الأعضاء ليغتذي بها. وكان الجسد إذا عدم الغداء تلف وباد. فلذلك أنقص الأعضاء الرئيسية من الحس الكثير لكي لا يمنع لأجل كثرة الحس عن إكمال أفعالها وإذا عرض لها وجع فيهلك الجسد. وخلقة الأعضاء تختلف على قدر مكان العضو والفعل الذي جعل له. فالعظام التي في الجسد لها أنواع من طويل وقصير وعريض ودقيق ومصمت ومجوف. وكذلك الأعصاب مختلفة، فمنها صلب ومنها لين. والعروق منها لين يجري فيها الدم إلى الأعضاء، ومنها جاسي يجري فيها الدم والروح جميعا
في هيئة العظام وشكلها:
صفحه ۳۴
نقول: إن الخالق الباري جل وعز جعل العظام عماد للبدن ودعائم له، ولأنه يحتاج أن يتحرك في وقت دون وقت، وجزء من البدن دون جزء، ولم يجعل ما في البدن منها عظما واحدا بل عظاما كثيرة، وهيأ وشكل كل واحد منها بالشكل الموافق لما أراد به، ووصل ما يحتاج منها أن يتحرك في بعض الأحوال معا، أو في بعضها فرادى بشيء أنبته من أحد طرفي العظم، ووصله بالطرف الآخر، ويسمى هذا الشيء الرباط. وهو جسم أبيض صلب عديم الحس، وجعل لأحد طرفي العظمين زوائد وفي الطرف الآخر، نقرا موافقة لدخول هذه الزوائد وتمكنها فيها. فالتأمت بهذه الهيئة بين العظام مفاصل وصار للأعضاء من أجل المفاصل أن يتحرك منها بعض دون بعض. ومن أجل الربط الواصلة بين العظام أن يتحرك معا كعظم واحد. وإنا إذا أردنا أن نحرك جملة اليد حركناها من حيث مفصل الكتف حركة واحدة كحالها لو كان ما فيها من العظام عظما واحدا من غير أن يعوقنا ويمنعنا من ذلك مفصل المرفق ولا مفصل الرسغ ولا مفصل الأصابع. وإذا أردنا أن نحرك منها جزءا واحدا دون جزء فعلنا ذلك بالمفصل المهيأ له. وقد تم بهذا التدبير ضربا الحركة أعني الكلية والجزئية يستعمل منها أيما شاء بحسب ما تدعو إليه الحاجة ومن أجل أن العظام ليس لها أن تتحرك بذاتها بل بمحرك لها يحركها على سبيل جهة الإنفعال وصل بها من مبدأ الحس والحركة وينبوعها الذي هو الدماغ وصولا. وهذه الوصول هي العصب وليس يتصل بالعظام مفردة لكن بعد الاختلاط منها باللحم والرباط. وذلك أن العصبة لو اتصلت مفردة بعضو عظيم لكانت إما أن لا تقدر أن تحركه البتة، وإما أن يكون تحريكها له تحريكا ضعيفا. ومن أجل ذلك تنقسم العصبة قبل بلوغها العضو الذي أريد تحريكه بها وينتسج فيما بين تلك الأقسام من اللحم وشظايا من الرباط فيكون من جميع ذلك شيء يسمى العضل. ويكون عظم الجسم الذي سمي العضل، بمقدار العضو الذي أريد تحريكه به ووضعه في الجهة التي يراد أن يتحرك إليها ذلك العضو، ثم ينبت من الطرف الذي يلي العضو المتحرك من طرفي العضلة شيء يسمى الوتر وهو جسم مركب من العصب الجائي إلى ذلك العضو ومن الربط النابتة من العظام قد تخلص من اللحم الذي كان منتسجا بينهما عند وسط العضلة فيمر حتى يتصل من العضو الذي يريد تحريكه بطرفه الأسفل فيلتئم بهذا التدبير. إن قليلا من تشنج العضلة نحو أصلها يجذب الوتر جذبا قويا. وأن العضو يتحرك بكليته لأن الوتر متصل منه بطرفه الأسفل. وجعل الله عز وجل الدماغ عنصر الحس والحركة الإرادية، وأنبت منه أعصابا تتصل بالأعضاء لتعطيها ضروب الحس والحركة. ونحن ذاكرون منابت الأعصاب عند ذكرنا لتشريح العصب. ولما كان أسافل البدن وما بعد عن الدماغ يحتاج إلى أن ينال الحس والحركة كان نزول العصب إليها من الدماغ بعيد المسلك غير حريز ولا وثيق. وجعل الباري عز وجل في أسفل القحف ثقبا وأخرج منه شيئا من الدماغ وهو النخاع وحصنه لشرفه بخرز الظهر والستاسن كما حصن الدماغ بالقحف وأجراه في طول البدن وهو محصن موقى، وأنبت منه شيئا متى قارب وحاذى عضوا ما عصبا يخرج من ثقوب فيما بين الخرز ويتصل بتلك الأعصاب فيعطيها الحس والحركة. فإن حدث على الدماغ حادثة عظيمة، فقد البدن كله الحس والحركة. أما إن حدث على النخاع حادثة عظيمة، فقدت الأعضاء التي يجيئها العصب من ذلك الموضع وما دونها الحس والحركة. وذلك أن الدماغ بمنزلة عين وينبوع للحس والحركة الإرادية، وأن النخاع بمنزلة نهر عظيم والأعصاب النابتة من النخاع هي بمنزلة جداول تأخذ من ذلك النهر. فمتى حدث على العين نفسها حادث، كان في ذلك ضرر عام. ومتى حدث على بعض الجداول حادث، كان الضرر في الموضع الذي تجيء إليه تلك الجداول. ومن أجل ذلك صار العلم بمواضع مخارج الأعصاب والأعضاء التي تجيئها نافع في المداواة والمعالجة كما ذكر ذلك الفاضل جالينوس:
صفحه ۳۶
وذلك أن رجلا سقط عن دابته، فصك بعض فقراته حجر، فحدث على الرجل بعد مدة عسر حركة في بعض أصابع يده، وكان الأطباء يضمدون تلك الأصابع ويضعون عليها الأدوية، فلا يتبين لها أثر نجاح. فأخذ جالينوس تلك الأدوية بأعيانها فوضعها على موضع تلك الفقرات التي منها مخرج العصب إلى تلك الأصابع. فأنجحت في أسرع وقت. وأول مبادىء الأعصاب الخارجة من الدماغ والنخاع تكون لينة شبيهة بالدماغ والنخاع، ثم أنها تصلب متى تباعدت عنها حتى تصير عصبا تاما.
صفحه ۳۷
فجملة منافع الأعصاب أنها الآلة والطريق الذي يتأدى وينفد فيه الحس والحركة إلى الأعضاء، وذلك أنه إن شدت أو قطعت عرضا بطل عن العضو الذي يجيئه إما الحس وإما الحركة وإما كليهما. وإن شدخ النخاع أو بتر عرضا بطل عن الأعضاء التي منبت عصبها دون ذلك القطع الحس والحركة البتة. وإن وقع القطع في طول النخاع لم يضر ذلك، وكذلك إن وقع في طول العصب. وأما الواقع منه بالعرض فإنه يبطل به من الفعل بمقدار إمعان القطع في الجانب الذي يقع فيه. وأما الدماغ فمع أنه ينبوع الحس والحركة الإرادية وهو أيضا على رأي جالينوس معدن التخيل والفكر والذكر، ويكون التخيل منه بالبطن المقدم والفكر بالبطن الأوسط والذكر بالبطن المؤخر، وجعل الخالق عز وجل القلب معدنا وينبوعا للحرارة الغريزية ومنه يكتسب سائر البدن وينال الحرارة بالشرايين التي تنبت منه وتتصل بالأعضاء. فأي عضو عدم الشرايين التي تجيئه، خدر وعسرت حركته وحسه، ثم إنه يفقدهما البتة ويبرد ويصير في حكم الموات. وذلك أن العضل والأعصاب والدماغ نفسه يحتاج في أن يبقى على طبعه الذي يتم به الفعل إلى مقدار ما من الحرارة. فمن أجل ذلك وصل لها شرايين. وهذه المنفعة التي ينالها الجسد من القلب هي المنفعة الأولى التي يفضل بها الحيوان على النبات. وأما المنفعة التي ينالها الجسد من الدماغ فهي المنفعة الثانية التي بها الكمال وإليها أجرى وهو كان الغرض. أما المنفعة التي ينالها الجسد من الكبد فشيء يعمه الحيوان والنبات. وذلك أنه إنما ينال منه الاغتذاء والنمو. ومن أجل أن القلب يحتاج لبقائه على طباعه إلى تنسم هواء بارد أبرد منه، وإخراج ما قد سخن في تجاويفه من الهواء سخونة مفرطة، خلقت آلات التنفس أعني الصدر والرئة، وجعل بينهما وبين القلب وصل ومجار ينفذ فيها ما ينتشق من الهواء على ما نحن ذاكروه عند ذكرنا هيئة هذه الأعضاء. وجعل الكبد أصلا ومولدا للدم، ووصل منه العروق بالأعضاء ليسقى كل عضو ويتوزع الدم عليها بقدر حاجتها إليه فيكون لذلك غذاءها وبقاء ما يبقى بحاله ونمو ما ينمو منها وذلك أن الشيء إنما يبقى بحاله إما لأنه لا ينفش ولا يتحلل منه شيء كالحال في الحجارة نحو الياقوت والذهب والزجاج وإما لأنه لا يخلف فيه بدلا مما يتحلل وينفش منه كماء البحر الذي ينفش منه كل يوم ويتحلل منه شيء كثير وينصب فيه من الأدوية بدلا مما يتحلل فتكون صورته أبدا محفوظة على حاله متقاربة. ولما كانت أبدان الحيوان مركبة من الجواهر التي تتحلل لم يمكن أن تنمو ولا أن تبقى بحالها إلا بالاغتذاء. ولما كان ما يغتذي به ليس من نوع ما يتحلل منها احتيج أن يكون لها عضو يحيل ما يغتذي به إلى مثل الجوهر الذي يتحلل منه ولأن ما يغتذي به أيضا لا يستحيل عن آخره بل إنما يستحيل ويتشبه به منه طائفة ويبقى الباقي فضلا غير قابل للاستحالة والتشبه بالذي تحلل منه. وكانت هذه الفضول إن يقيت في أبدانها أورثتها ضروب الأسقام أعد وهيىء لدفعها وإخراجها عن البدن آلات ومنافذ. ولأن الهضم في الغذاء يكون في ثلاثة أماكن، صارت أجناس الفضول ثلاثة: أحدها فضل الهضم الكائن في المعدة والأمعاء وهو النجو والآخر فضل الهضم الكائن في الكبد عند تولد الدم وهو المرار الأصفر والأسود والبول. ويخرج هذه عن الدم إلى المرارة والطحال والكليتين على ما نحن ذاكروه بشرح أبلغ حيث نذكر هيئة الأعضاء هذه وفضل الهضم الكائن في الأعضاء عند تشبه الدم الذي توزع عليها بها وهو العرق والوسخ ونحوهما من الفضول السائلة من الأعضاء كالمخاط والرمص وما أشبههما. وللبدن أربعة ضروب من الأعضاء. ثلاثة منها رئيسة والحاجة إليها في بقاء الحياة اضطرارية وهي آلات الغذاء، وهي المعدة والكبد وجداولهما والعروق والطرق إليها كالفم والمري، ومنها كالأمعاء والدبر وآلات الحرارة الغريزية وحفظها وأولها القلب والشرايين ثم الصدر والرئة وسائر ما يعين على التنفس مما نحن ذاكروه في موضعه. ومنها آلات الحس والحركة والأفعال العقلية وهي الدماغ والنخاع والعصب والعضل والأوتار ونحوها مما يحتاج إليها في المعونة على تمام فعل الحس والحركة والتصور العقلي. وأحد هذه الآلات من كل نوع منها ما هو الفاعل الرئيس، وسائرها كالخدم والأعوان له على تمام فعله . فرئيس آلات الغذاء هو الكبد، ورئيس آلات الحرارة الغريزية هو القلب، ورئيس آلات الحس والحركة والأفعال العقلية والنفسية هو الدماغ. وكل واحد منها مشتبك بالآخر ومحتاج إليه. وإنه لولا الكبد وإمداده لسائر الأعضاء بالغذاء لانحلت ويبست وانفنت. ولولا ما يتصل بالكبد من حرارة القلب، لم يبق له جوهره الذي يتم به فعله، ولولا تسخين القلب للدماغ بالشرايين وإغذاء الكبد بالعروق الصاعدة إليه، لم يدم للدماغ طبعه الذي يكون به فعله، ولولا تحريك الدماغ لعضل الصدر لم يكن التنفس ولم يبق للقلب جوهره الذي منه ينعش الحرارة الغريزية في أبداننا.
صفحه ۳۹
وأما النوع الرابع من الأعضاء فهي آلات التناسل. وهى الأرحام والذكروالأنثيين وأوعية المني والطرق إليها. وليست الحاجة إليها اضطرارية في بقاء حياة الشخص الواحد، ولكنها اضطرارية في بقاء النوع. وذلك أن الخالق جل ذكره لما ركب جثة الإنسان من أجسام متحللة غير دائمة البقاء والثبات، لم يمكن أن يبقي الشخص الواحد دائما. فلما هيأ آلات التناسل كان في استعمالها بقاء النوع بحاله.
هذه جمل وجوامع من أحوال الأعضاء وأفعالها ومنافعها. ونحن ذاكرون بعد الآن ذكرا أوسع وأكثر تفصيلا على أنا لا ندع الإيجاز والاختصار في كتابنا هذا، إذ لم نجعله كتاب استقصاء واتساع بل كتاب إيجاز واختصار.
في هيئة العظام:
صفحه ۴۰
القحف الطبيعي مستدير إلا أنه ليس بصحيح الاستدارة. وفيه ثقب كثيرة يخرج منها أعصاب كثيرة ويدخل فيها عروق وشرايين. وله نتوء في مقدمه من ناحية الجبهة وفي مؤخره من ناحية الأذنين. وأعظم ثقب فيه هو الذي من أسفل عند نقرة الفقار وهو مخرج النخاع. وهو مؤلف من قطع كثيرة يتصل بعضها ببعض. وملتقى هذه القطع يسمى الشئون. ويتصل به اللحى الأعلى وهو الذي فيه الخدان والأذنان والأسنان العليا، وهو أيضا قطع كثيرة يتصل بعضها ببعض بدروز ثم اللحى الأسفل وهو الذي فيه الأسنان السفلى إلا أنه لا يتصل به اتصال التحام وركز بل اتصال مفصل وذلك أن اللحى الأسفل احتيج منه إلى حركة وسمى موضع اتصال جزئيه الرزفين. وهو أعني اللحى الأسفل مركب سوي الأسنان من عظمين بينهما شأز في وسط الذقن وتحت القحف من ناحية خلف. فيما بينه وبين اللحى الأعلى عظم مركوز قد ملىء به الخلل الحادث من تفنن أشكال هذه العظام ويسمى الوتد. فجميع عظام الرأس إذا عدت خلا الأسنان كانت ثلاث وعشرين عظما، منها ستة تخص القحف وأربعة عشر للحى الأعلى واثنين للحى الأسفل وواحد هو الوتد. والأسنان ستة عشر سنا. في كل لحى منها ثنيتان ورباعيتان ونابان وخمسة أضراس يمنة وخمسة أضراس يسرة. وربما نقصت الأضراس فكانت أربعا. وأصول الأضراس في الفك الأعلى ثلاثة وربما كانت أربعة وأما التي في الفك الأسفل فلها أصلان. وأما سائر الأسنان فإنما لها أصل واحد. فيكون جملة عظام الرأس خمسة وخمسين عظما. ويتصل بالرأس عند الثقب الأعظم وهو مخرج النخاع الخرزة الأولى من خرز العنق وهي سبع خرزات فيها ثقب من الجانبين يخرج منها أعصاب تجيء إلى الجانب الأيمن وإلى الجانب الأيسر من البدن. ويتلو هذه الخرزات خرز الظهر وهي سبع عشرة خرزة أخرى. اثنا عشرة منها تنسب إلى أنها خرز الظهر وذلك أن حد الصدر من الأسفل ينتهي عند قبالتها. وخمس منها هي خرز القطن. فيكون جميع الخرز من لون منبت النخاع إلى حيث عظم العجز أربعا وعشرين خرزة، وربما زادت أو نقصت واحدة في الندرة. ويتصل بالخرز من هذا الموضع عظم العجز وهو مؤلف من ثلاثة أجزاء تشبه الخرز ويتصل به من أسفله عظم العصعص، والجزء الثالث منها بالحقيقة هو العصعص، كأنه غضروف عظمي، وجميع هذه الخرز وتتصل اتصالا مفصليا. ويخرج من ملتقى كل خرزتين من هذه في كل واحد من الجانبين عصبة تمر وتنقسم في ذلك الجانب من البدن ويخرج من الجانب العصعصي عصبة مفردة تنقسم في الموضع الذي هناك. أما من الجانبين فإنه يتصل به أعني بعظم العجز عظما الخاصرتين من كل جانب واحد، وفيهما حق الورك الذي يدخل فيه رأس الفخذ المسمى رمانة الفخذ. وهذه هي هيئة العظام والخرز التي في المؤخر من لدن منبت النخاع إلى منتهى العصعص. فلنرجع الآن ونذكر هيئة العظام الأخر التي من دون الرقبة فنقول: إن دون الرقبة من العظام مما لم نذكرها بعد الترقوتين وعظم الكتف والأضلاع وعظام الصدر وعظام اليد وعظم العانة وعظام الرجل.
فالترقوة عظم محدب الخارج مقعر الباطن يتصل أحد رأسيه مع المنكب ورأس العضد والطرف الآخر يتصل بأعلى الصدر حيث نقرة الحلق. وأما الكتف فإنه من حيث موضوع على الظهر فهو عريض يتصل به رأس غضروفي، ومن حيث أنه يقارب الترقوة، يستدير وله هناك نقرة يدخل فيها رأس العضد.
صفحه ۴۳