ينبغي للإنسان أن يدرب عقله في الصناعات التي يعرف منها جملا ينتفع بها عند الحاجة إليها في الوقت الذي يعرض فيها، فإنه لا يستغني عن شيء من الصناعات بحاجته إليها بحال ما يحتاح إليه، ويجب عليه معرفة ما به الحاجة إليه أشد من تقويم جسده وسياسته، وحفظه، وذلك علم غامض دقيق يحتاج في مذهبه إلى فهم ذكي وفطنة لطيفة. ثم يعرف بعد ذلك سائر الصناعات التي يستعين بها على ما ينفعه. فالصناعة التي يحتاج إليها في سياسة، جسده وتقويمه، تسمى الطب. وينقسم قسمين: أحدهما تدبير الجسد الصحيح ليثبت له صحته، والآخر رد الجسم السقيم إلى حال الصحة. والواجب على الإنسان العناية بالعلم الذي به وبمعرفته يمكن سياسة جسده في حالتي الصحة والمرض، وأن يتدرب في ذلك ويلزم نفسه العناية به لينتفع بذلك وقت الحاجة إليه، فإنه لا يدري متى يعرض حاجته إليه من الأوقات والأزمنة والمواضع والأماكن فليس يقدر في كل وقت ولا في كل زمان ولا في كل بلد وموضع يعرض فيه على طبيب يعالجه. فاذا لم يعلم الإنسان علم الطب، ولم يعرف من ذلك ما يعالج به داء اعتراه ولم يجد مطببا يتولى ذلك منه، تأدى أمره في مرضه إلى موت أو إلى داء مزمن لا يعذر له على شفاء ولا برؤ. فليحرص الإنسان على علم ما يكسبه صحة وعافية ويدفع عنه مرضا وعلة. وقد جمعت في كتابي هذا جملا وعيونا ونكتا من صناعة الطب مما استخرجته من كتب بقراط وجالينوس وأرماسوس ومن دونهم من القدماء وفلاسفة الأطباء ومن بعدهم من المحدثين في إحكام الطب والمفاقهة فيه مثل بولس وأهرون وحنين بن إسحق ويحيى بن ماسويه وغيرهم. وفصلت ذلك على غاية الإيجاز والاختصار مع الاستقصاء لأقاويلهم واستخراج نصوص كلامهم، وجعلت كتابي هذا عشر مقالات. وفي كل مقالة فصولا معلمة بالحروف على ما ينبغي من مراتب عددها ليسهل إصابة ما يراد منها. والله أسأل العون والتوفيق على ما يرضيه ويقرب إليه ويدني منه.
أغراض مقالات الكتاب:
صفحه ۱۸