[40] فنقول في جواب هذا الاعتراض إن جميع الهواء مضي ء بضوء الشمس في سائر الأوقات، وليس شي ء من الهواء مظلما ومحتجبا عن الشمس إلا مخروط الظل الذي هو ظل الأرض فقط، إلا أن الضوء الذي يصدر عن الهواء المضيء يكون ضعيفا، وكلما بعد في امتداده ازداد ضعفا لأن ذلك هو خاصة الضوء، فالهواء المضي ء بضوء الشمس يشرق منه أبدا ضوء يمتد في جميع الجهات وينفذ في الهواء المستظل بظل الأرض، إلا نه كلما بعد هذا الضوء عن الهواء المضي ء بضوء الشمس الذي منه يمتد ضعف. وإذا كان ذلك كذلك فالجزء من ظل الأرض المماس للهواء المضي ء والقريب من هذا الماس الذي هو حواشي الظل يكون الضوء الذي يشرق عليه من الهواء المضي ء المجاور له فيه بعض القوة، فإذا بعد هذا الضوء عن حواشي الظل وانتهى إلى وسط الظل وقريبا من الوسط ضعف ضعفا شديدا.
[41] والشمس في سائر الليل بعيدة عن محيط الأفق، والموضع الذي يجن عليه الليل من وجه الأرض هو في أكثر الليل في وسط ظل الأرض وقريب من الوسط، فإذا قربت الشمس من الأفق مال خروط الظل وقرب محيط قاعدة الظل المحيطة بالأرض من الموضع الذي قد قربت الشمس من محيط أفقه، فيصير الموضع الذي قد قربت الشمس من محيط أفقه في محيط الظل وقريبا من حاشية الظل، ويصير الضوء الخارج من الشمس الممتد في طول الظل الماس لطول الظل قريبا من وجه الأرض. فإذا قربت حاشية الظل ومحيطه والضوء الممتد في طول محيطه الماس لحاشيته من وجه الأرض صار الهواء المضيء قريبا من وجه الأرض، ويكون الضوء الذي يصل من هذا الهواء إلى وجه الأرض فيه بعض القوة، فلذلك يدرك البصر الضوء في الهواء عند قرب الصباح ويصل الضوء إلى الأرض عند الصباح. ثم كلما قربت الشمس من الأفق قربت حاشية الظل من وجه الأرض وقرب الهواء المضيء من البصر وقوي الضوء الذي يصل إلى وجه الأرض. فلذلك كلما قربت الشمس من الأفق ازداد الضوء الذي يظهر على وجه الأرض قوة ووضوحا إلى أن ينتهي محيط جرم الشمس إلى محيط الأفق، فيصير حاشية الظل ونهايته والهواء المضيء بضوء النهار في هذا الوقت مماسا لوجه الأرض. والهواء المماس لوجه الأرض والقريب منه المضيء بضوء النهار عند قرب الشمس من الأفق وقبل طلوعها هو من جملة مخروط ظل الأرض، وإضاءته إنما هي لقرب هذا الهواء من الهواء المضيء المقابل للشمس لأن كل موضع تكون الشمس تحت أفقه وغير مقابلة له فهو في داخل خروط الظل، إلا أن هذا الهواء المضيء هو حواشي الظل ومحيطه المجاور للهواء المضيء المقابل للشمس.
صفحه ۹۱