وأما التأكيدات - والتشديدات في الأخبار المتظافرة فلا يضر ما ذكرنا، وحكاية تلك التشديدات بعينها كالتشديد في الجهاد، وقد أشرنا سابقا، وأيضا مثل ذلك في صلاة العيد موجود أيضا، مع أن القائل بوجوبه حال الغيبة غير معلوم.
وبعد ما عرفت أن أدلة العينية أضعف من أدلة المذهبين الآخرين فلا يمكن المصير إليه.
وأما المذهبان الآخران، فإن كان الأمر على ما قلنا من ترجيح أدلة المخيرين فيثبت مطلوبنا من التخيير، وإلا فلا أقل من التساوي والتعارض والتساقط.
والمحقق عند المحققين فيما تعارض فيه النصان الرجوع إلى أصل البراءة والإباحة، وهو يفيد التخيير، وتدل عليه الأخبار أيضا، كما هي مذكورة في مواضعها، مثل قولهم (عليهم السلام): " بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك " (1) ونحو ذلك، فيثبت المطلوب أيضا.
وأما على مذهب الأخباريين فيجب الاحتياط.
إلا أن ما ذكرنا من التخيير بعد اشتغال الذمة بمجمل يقينا لا يخلو من إشكال، بل يرجع فيه الكلام بعينه إلى نظير ما ذكرناه سابقا في المباحث المتقدمة.
مع أن التخيير بين الوجوب والحرمة لا يتم إلا بتكلف، فلا بد من تخصيص هذه القاعدة بما أمكن التخيير فيه، وكان مما لم يعلم التكليف بالقدر المشترك بينهما إجمالا، فلو لم يظهر الترجيح لأحدهما فيجب الإتيان بهما معا من باب المقدمة وتحصيل البراءة اليقينية، فلم يبق للتحريم وجه، والاحتياط هو الإتيان بكليهما.
لا يقال: كيف يحصل الاحتياط الذي هو واجب في حال ووجه ومستحب في حال ووجه بفعل الحرام؟
قلت: حرمة الجمعة عند القائل بتحريمها لعله إنما هو إذا جعلت مسقطا للظهر، وأما بدونه فغير معلوم، مع أن الحرمة إنما هو عند من رجحها، وأما من لم يترجح
صفحه ۵۴