فأخذ غانم يهز رأسه مستعظما هول الأمر وفظاعته ويقول: أي فعل أقبح من فعل هذا الرجل، فقد خطف الفتاة بعد وفاة أمها في غفلة الرقباء، فهي لعمري جريمة تستوجب شديد العقوبة، ثم جعل يتمشى رائحا وآتيا يمينا وشمالا ويقول: يا للفظاعة ويا للبلاء العظيم!
قال خليل: هلا زلت مصرا على تزويجه بابنتك بعد هذا الذي سمعته عليه؟
قال غانم: إن ثبت قولك فسخ العقد، ولا أكتفي بذلك حتى أجر الجاني أمام المحاكم الجنائية لتقتص منه.
وكان خليل في أثناء ذلك يزداد انبساطا وانشراحا، كلما اشتد غانم غيظا واستشاطة، ثم قال له: جزاك الله خيرا عن حميتك، إنك لجدير بالثناء والشكر المزيد على ما بدا من اهتمامك، فتلك شيمة الكرام، والكريم من يأبى الضيم وتعاف نفسه الذل، فإن لم يكن في إمكانك رد فائت، فلا أقل من أن تنتقم من العتل الزنيم والفاجر اللئيم جزاء وفاقا على ما جنت يداه.
قال غانم: ما الرأي عندك، وما يجب أن نصنع؟
فابتدأ خليل في جوابه، وإذا بسعيد قد دخل من فوره: أتيتك يا أبي ببشرى، عفيفة ابنة عمتي كريمة حية، وقد رأيتها بعيني أمس.
فلما سمع غانم كلام ابنه أيقن بصدق الخبر، وذهب الشك من قلبه فقال: لا حاجة لي إلى برهان، فسواء اختطف فؤاد عفيفة قهرا وفتنها أو استرضاها فلا بد من مقاطعته، فلا يبقى بيني وبينه علاقات، وقد شان عرضه، فلست أرضى به لنا نسيبا فنلبس عائلتنا العار والذل حين ينكشف الأمر ويظهر المكتوم، فعلينا قبل الانتقال من هذا المكان أن ننظر في التدبير الواجب إتيانه في هذا الشأن.
فللعاقل أن يتدبر أحوال هذا الكون، فقد رأى الناظر في هذه القصة كيف أن سعدى لخلوها من الجمال أورثت والدها التعب والنصب، وكان زواجها عسيرا إلا أن ينفق والدها النفقات الجسيمة لهذا الغرض ... وكيف أن عفيفة على جمالها أورثت قلب ذويها التعب والخوف في كل حين عليها من الأعين الفاتنة، فالبنات على سائر الأحوال مصائب ونكبات على أهلهن سواء كن موسرات أو فقيرات، جميلات أو دميمات، ولعل هذا هو السبب في كره أبناء الشرق الإناث وتفضيلهم الذكور عليهن.
ثم التفت إلى خليل وقال له: سألتك فلم تجبني عما يجب أن ندبره، لعل عندك رأيا سديدا في الأمر؟
قال خليل: مصلحتنا واحدة تهمنا جميعا، فعفيفة ابنة أختك وابنة عمة سعيد وابنة امرأتي، فالنسبة توجب على كل واحد منا إبداء الرأي، فليبتدئ في الكلام أصغرنا سنا.
صفحه نامشخص