فقال خليل: تعجبت من زيارتي، فأصغ إلي سمعا لأحدثك بما يزيل عنك العجب، قد كان بيني وبينك خصام لديد، وأتى علينا سبع سنوات فلا تكلمني ولا أكلمك، واشتد الخلاف بيننا حتى أصبحنا كأننا أعداء ألداء، ولكن الدهر أبو العجب يحدث أسبابا تقرب البعيد وتبعد القريب، وتجمع بين الأخصام لملاقاة حادثة ودفع نازلة، فيتركون خصومتهم جانبا للمعاونة على الشدة الطارئة، وقد جئتك مخبرا عن أمر جليل، فأنصت إلي وأعرني السمع.
فظن غانم أن خليلا في مضايقة مالية، جاء يطلب مساعدة، فبادر بقوله: إن كنت تقصد أن تقترض مني نقودا، فأرح نفسك من الأمل الكاذب ولا تتعب، فليس عندي قرش أسلفه لك أو لغيرك.
فتبسم خليل ثم قال: سكن الروح ولا تجزع، فإني لم أحضر لطلب نقود منك على سبيل السلفة والإحسان.
قال غانم: لعل مرامك تكليفي بقضاء حاجة لك، فالجواب لا أستطيع شيئا، وليس عندي وقت أقطعه في مصالح الغير.
قال خليل: لم أحضر لهذه الغاية.
قال غانم: إن لم يكن حضورك لطلب سلفة أو لتكليفي بقضاء حاجة، فلأي شيء حضرت؟
قال خليل: حضرت لأخبرك عن أمر مهم جدا هو في غاية الغرابة والفظاعة أجارنا الله منه. فارتاع غانم من سماع هذا القول، فقال له خليل: إنك عند حضورك إلى القاهرة لم يخطر في بالك تزويج ابنتك بفؤاد، ثم عند خروجك من الفندق في هذا اليوم قابلت هماما، وكان ينتظرك على رصيف الفندق انتظار مقصودا، لا على سبيل الصدفة كما أخبرك، ثم توجهتما إلى منزل سيدة، فقضيتما عندها نصف ساعة من الزمان وخرجتما معا، وقبل الانفصال تواعدتما على أمل الطعام في لوكاندة حديقة الأزبكية، كل هذا علمته، فإن كان في قولي اختلاف أفدني.
فاستغرب غانم كيف علم خليل هذه الأمور، فقال ناهضا: من أطلعك على ذلك؟ ألعلك تعلم الغيب أو لك جاسوس يسرق الأخبار؟
فاستتبع خليل الكلام قائلا: وقد دار الحديث عند سيدة على أمر زواج فؤاد بسعدى، واجتمع الرأي عليه، وأنت لم تكن - كما سبق القول - عازما على ذلك، فتغيرت أفكارك بين لحظة عين وأختها.
قال غانم: أنا حر أفعل ما أشاء.
صفحه نامشخص