قبلتها فبكت وصدت نفرة
تذرف المدامع من كحيل أدعج
فكأن سقط الدمع من أجفانها
لما بدا من خدها المتضرج
برد تساقط فوق ورد أحمر
من نرجس فسقى رياض بنفسج
وكانت هذه أول قبلة قطفها فؤاد من رياض جبين محبوبته بعد طول الزمان والاجتماع المديد، وحينئذ طرق أذنيهما صوت هائل كزئير الأسد فارتعدا ونهضا مذعورين، وتقدما نحو باب الكشك لينظرا، فأبصرا رجلا متسلقا على حائط الحديقة، فتفرسا فيه، فإذا هو خليل أقام رأسه فوق السور، وفي وجهه الصفرة، وعيناه جاحظتان، وحركاته تنذر بالتهديد والتهويل، فلما رأته عفيفة عرا وجهها الشحوب من الخوف، ورجفت أركانها، فوقعت بين يدي فؤاد، فسندها ثم جعلها على مقعد، وخرج لينظر خليلا فلم يجده، فعاد إليها وأخذها من يدها قياما إلى المنزل، وكان يخاطبها فلم تجبه بكلمة؛ لأن الخوف ربط لسانها، ثم إنه أدخلها إلى حجرتها في المنزل، ووقف على بابه ليكشف خليلا فلم يره، فزاد باله اضطرابا، وقال في نفسه: لم يختف الرجل إلا ليعود، فسور الحديقة يستطيع أن يصعد عليه بسهولة، فربما جاء وتكون عفيفة وحدها، فيحصل من الأمور ما يعلم الله، ولا شك أنها تموت خوفا، ولا يستطيع البستاني المدافعة عنها إذا دخل الرجل مدججا بالسلاح الكامل، فمن اللازم أن أبقى هنا، وعندما يصبح الصباح أذهب بها إلى والدتي. وبينما كان يناجي نفسه بهذه الخواطر إذا بعفيفة قد حضرت حاملة بيدها علبة سوداء صغيرة وقالت له: أرأيت، فإني لم أحتج إلى وقت طويل لأتهيأ أو أتأهب للخروج، فقد لبست برنيطتي، وحملت ثروتي بيدي وهي هذه العلبة، وفيها رسم والدتي ووالدي وبعض كتابات بخط يديهما، فذلك جملة ما أملك من متاع الدنيا، وقد اتخذتك لي حاميا، فكفيتك عناء التجهيز.
قال فؤاد: تأهبت للذهاب، وأنا لا أرى لزوما لذلك الآن.
قالت: أتمكث هنا بعد أن رأيته بعينك؟
قال: رأيته ورأيت على وجهك الاضطراب، ولكنه لا يستطيع شيئا، ولا يمكنه الدخول إلينا.
صفحه نامشخص