فنحن ملتمسون أنما العشق لهذه الحال الثابتة بتعلمنا ما قد أدركه من (¬17) قبلنا /H8/ من هذا العلم ممن استقصي الفحص عنه وبأن نزيد علي ذلك بحسب ما أفادنا الزمان الذي فيما بيننا وبينهم. ونجمع كل ما قد رأينا أنه قد وضح إلي هذه الغاية من هذا العلم في كتاب بما يمكن (¬18) من الإيجاز وبقدر A ما يستطيع فهمه من قد اتجه (¬19) في هذا العلم قليلا. ولكي يكون الكتاب تاما فإنا نضع جميع ما ينفع في علم الأجرام السماوية علي النظام الذي ينبغي ولئلا يطول القول نمر ما استقصي الأوائل علمه صفحا. ونشرح بقدر الطاقة ما لم يدركه الأوائل و (¬20) لم يبلغوا من إدراكه ما ينبغي.
<I.2> @NUM@ ب : في مراتب أنواع هذا العلم
إن أول ما ينبغي أن نبدأ به في هذا الكتاب هو النظر في جملة حال كل الأرض عند كل السماء. وأول ما ينبغي أن نأخذ فيه من أنواعه بعد ذلك طلب العلم بوضع الفلك (¬21) الدائر المائل والمواضع المسكونة من الأرض ثم العلم باختلاف آفاقها علي الترتيب الذي هو من قبل العرض. /H9/ فإنه إذا يقدم العلم بما ذكرنا كان البحث عما سوي ذلك أسهل سبيلا. والثاني مما ينبغي أن نأخذ فيه طلب علم حركة الشمس والقمر وما يلزمهما لأنه لا يمكن قبل إدراك هذه استقصاء العلم بالكواكب. وآخر ما ينبغي أن نأخذ فيه علي ما يشبه النسق القول في الكواكب. وواجب أن نقدم القول في كرة الكواكب الثابتة /T38/ ثم نلحق بذلك القول في الكواكب الخمسة التي تسمي المتحيرة. ونلتمس أن نبين كل واحد مما ذكرنا باستعمالنا الأصول والمبادي التي تؤدي إلي معرفتها وهي الأشياء الظاهرة البينة بالحس والأرصاد التي لا شك فيها التي رصدها الأوائل والتي رصدنا (¬22) في زماننا ونبني عليها كل ما يتبعها بطرق البراهين الهندسية.
وأما الجملة التي تنبغي أن نقدم فهي أن تبين أن السماء كرية، وحركتها كرية؛ وإن شكل الأرض بجل أجزائها كري في الحس؛ وموضعها في وسط كل السماء كالمركز؛ وأنها في البعد والعظم كالنقطة عند كرة الكواكب الثابتة؛ /H10/ وأنه ليست لها حركة انتقال. وسنقدم قليلا من القول في تبيين كل واحد من هذه للتذكرة.
<I.3> @NUM@ ج : في أن السماء كرية وحركتها أيضا كرية
إن أول توهم القدماء لما ذكرنا أنما كان لأنهم رأوا الشمس والقمر وسائر النجوم متحركات أبدا من المشارق إلي المغارب وحركتها علي دوائر مواز بعضها لبعض، تبدأ من أخفض السفل فترتفع قليلا قليلا إلي أرفع العلو، كأنها ترتفع علي (¬23) الأرض، ثم تهبط بعد ذلك علي تلك النسبة إلي أخفض السفل كأنها تقع في الأرض وتغيب ألبتة، ثم تمكث بعد ذلك زمانا غائبة ثم تطلع أيضا وتغيب كأنه ابتداء أخر. ووجدوا هذه الأزمان التي من الطلوع إلي الغروب ومن الغروب إلي الطلوع ومواضع الطلوع والغروب تتكافأ في جل الأمر علي ترتيب واحد ومثال واحد.
صفحه ۲