سأحب صديقتك يا ماجدولين كما أمرت، ولكن ليس لأنها جميلة فاتنة كما تقولين، فقد ملأ جمالك فضاء قلبي فلم تبق فيه بقية لسواك، ولا لأنها ترقص أو تغني، فإن نفسي الحزينة لا يشفيها من دائها إلا أحد الأمرين: إما لقاؤك، أو الموت، بل لأنها تؤنس وحشتك، وتخفف آلامك، وتعينك على احتمال أعباء الحياة وأثقالها، فاشكريها عني شكرا جزيلا، وبلغيها تحيتي وسلامي.
لا يزال الدهر عابسا في وجهي، ولكنني صابر محتمل، لا أيأس ولا أستسلم ولا تفتر لي همة حتى أنال بغيتي، والسلام. (37) من أوجين إلى استيفن
وصلت إلي هدية السيدة ماجدولين، فشكرت لها صنيعا شكرا جزيلا، ولقد أصبحت بفضل هديتها صاحب رداء جديد كنت في أشد الحاجة إليه وكانت يدي تقصر عنه، فابتعته وأصبحت فخورا مختالا به بين أترابي وعشرائي، فبلغ صاحبة الهدية شكري، وأرجو أن أراها في عهد قريب فأجزيها خيرا بما فعلت، فإن عجزت عن ذلك فلا أعجز عن أن أحدثها عن الوقائع الغريبة التي شاهدتها أحاديث جميلة عذبة تملأ قلبها غبطة وسرورا.
شاهدت بالأمس أول وقعة من وقائع الحرب فجزعت عند الصدمة الأولى، ولكنني ما لبثت أن سمعت صهيل الخيل وقروع الطبول وأزيز الرصاص، وأنغام الموسيقى الحربية حتى انتشيت واندفعت بجوادي اندفاع السيل المنهمر لا أشعر بشيء مما حولي، ولا أرى إلا بريق سيفي في يدي، ولقد امتلأت نفسي غبطة وسرورا عندما رأيت جيش العدو يتقهقر أمام جيشنا، حتى خيل إلي أنني أنا الذي زحزحته وحدي عن مكانه وألجأته إلى الفرار، وقد عرف قائدي فضل ما أبليت في هذه المعركة فرقاني إلى درجة «صف ضابط»، ولي أمل أن أعود إليكم في عهد قريب باسم «الضابط أوجين». (38) من استيفن إلى ماجدولين
قد ابتسم لي الدهر قليلا يا ماجدولين، فقد زارني أستاذي بالأمس في الخان الذي أنزله بعد ما انقطعت عن زيارته بضعة أسابيع لأمر ما، وبشرني أنه وجد لي عملا في بعض المدارس الصغيرة بوظيفة شهرية قليلة، وقال لي: إن مدير المدرسة وعده أن يضاعفها لي ضعفين بعد ثمانية أشهر، فحمدت الله على ذلك.
لا صعب في الحياة يا ماجدولين غير الخطوة الأولى، فإذا خطاها المرء هان عليه ما بعدها، فلنهنأ منذ اليوم باللقاء، ولنغتبط بالسعادة التي طالما تمنيناها حتى بلغناها. (39) من إدوار إلى استيفن
لا يزال النزاع قائما بيني وبين عمي، يأبى إلا أن أعيش عيش المقلين، وآبي إلا أن أتمتع بمالي الذي ورثته عن أبي كما أحب وأشتهي، ولا أدري ما الذي يعنيه من الحرص على مال يعلم أنه ليس له، وأن مصيره مهما طالت الأيام لصاحبه؟ ولكنها خلة البخلاء الأشحاء، لا يقع في أيديهم شيء من مالهم أو من مال غيرهم حتى تلتوي أصابعهم عليه التواء الحية على العصا، ثم لا يفلت منها بعد ذلك، فمثلهم كمثل الحبالة التي تنطبق حافتاها على كل ما يدنو منها، وإن لم تجن لنفسها من وراء ذلك شيئا.
على أنها أيام قلائل ستنقضي؛ وسأبلغ سن الرشد بعد بضعة أشهر، فلا يبقى له ولا لغيره علي من سبيل.
ألممت ببعض شأنك الحاضر، وعلمت أن أهلك قد نقموا منك مخالفتك إياهم، وعصيانك أمرهم، فوكلوك إلى نفسك، ونفضوا أيديهم منك، فتركت لهم «كوبلانس» وسافرت إلى «جوتنج» تطلب لنفسك فيها الرزق من طريق العمل، فلم يوافك حتى اليوم ما تريد، فليت الذي كان يا صديقي لم يكن، وليتك أخذت بذلك الرأي الذي رأيته لك من قبل، وسلكت إلى الحياة طريقا غير هذا الطريق الخيالي الذي تسلكه اليوم، فتزوجت من الفتاة التي اختاروها لك، وظفرت بنعمة العيش في ظلالها، فلا سعادة في الدنيا غير سعادة المال، وكل ما في أدمغة البشر من علم وعقل، وما في أجسامهم من قوة وأيد، وما في نفوسهم من فضائل ومزايا، إنما هي سبل للمال، وذرائع إليه.
أهديك تحيتي وسلامي، وربما زرتك في «جوتنج» في عهد قريب، فقد ضقت ذرعا بذلك الرجل، وأصبحت لا أطيق البقاء معه لحظة واحدة في بلد واحد. (40) من استيفن إلى إدوار
صفحه نامشخص