288

كان الجني الذي معهم أجدر بأن يتواضع. والقول الأول هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وصححه البغوي. وأجابوا عن قوله تعالى : ( إلا إبليس كان من الجن ) أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة.

قال ابن القيم : الصواب التفصيل في هذه المسألة ، وأن القولين في الحقيقة قول وحد. فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته وليس منهم بمادته وأصله. كان أصله من نار ، وأصل الملائكة من نور. فالنافي كونه من الملائكة ، والمثبت ، لم يتواردا على محل واحد. وكذلك قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية في الفتاوي المصرية : وقيل إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار. سموا «جنا» ، لاستتارهم عن الأعين ، فإبليس كان منهم. والدليل على ذلك قوله تعالى : ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) [الصافات : 158] ، وهو قولهم : الملائكة بنات الله ، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية.

سئل الشعبي : هل لإبليس زوجة؟ قال : ذلك عرس لم أشهده! قال : ثم قرأت هذه الآية ، فعلمت أنه لا يكون له ذرية إلا من زوجة. فقلت : نعم. وقال قوم : ليس له ذرية ولا أولاد ، وذريته أعوانه من الشياطين.

الرابع : في قوله تعالى : ( وكان من الكافرين ) قولان : أحدهما أنه وقت العبادة كان منافقا ، والثاني أنه كان مؤمنا ثم كفر ، وهذا قول الأكثرين. فقيل في معنى الآية ( وكان من الكافرين ) في علم الله ، أي كان عالما في الأزل أنه سيكفر. والذي عليه الأكثرون أن إبليس أول كافر بالله. أو يقال : معنى الآية أنه صار من الذين وافقوه في الكفر بعد ذلك. واختلف الناس بأي سبب كفر إبليس ، لعنه لله. فقالت الخوارج : إنما كفر بمعصية الله ، وكل معصية كفر ، وهذا قول باطل بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. وقال آخرون : كفر بترك السجود لآدم ومخالفته أمر الله. وقال آخرون : كفر لأنه خالف الأمر الشفاهي من الله ، فإن الله خاطب الملائكة وأمرهم بالسجود. ومخالفة الأمر الشفاهي أشد قبحا. وقال جمهور الناس : كفر إبليس لأنه أبى السجود واستكبر وعاند وطعن واعتقد أنه محق في تمرده ، واستدل ب ( أنا خير منه ) [الأعراف : 12] كما يأتي. فكأنه ترك السجود لآدم. تسفيها لأمر الله وحكمته. وهذا الكبر عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» (1) كذا في

صفحه ۲۹۱