محاسن التأويل
محاسن التأويل
ژانرها
وهذه الهداية يصح أن يقال : هي مباحة للعقلاء كلهم ، ويصح أن يقال : هي محظورة إلا على أوليائه ، لما كان في إمكان جميع العقلاء أن يترشحوا لتناولها. ومن ذلك قيل : إنها لا يسهل تناولها قبل أن يتشكل الإنسان بشكل مخصوص ، بتقديم عبادات. وقد قال بعض المحققين : الهدى من الله كثير ، ولا يبصره إلا البصير ، ولا يعمل به إلا اليسير. ألا ترى إلى نجوم السماء ما أكثرها ولا يهتدي بها إلا العلماء. وقال بعض الأولياء : إن مثل هداية الله مع الناس كمثل سيل مر على قلات وغدران ، فيتناول كل قلت منها بقدر سعته ثم تلا قوله ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ) [الرعد : 17] وقال بعضهم : هي كمطر أتى على أرضين فينتفع كل أرض بقدر ترشيحها للانتفاع به.
(والمنزلة الرابعة) من الهداية التمكين من مجاورته في دار الخلد ، وإياها عنى الله بقوله ( ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا ) [الأعراف : 43]. فإذا ثبت ذلك فمن الهداية ما لا ينفى عن أحد بوجه. ومنها ما ينفى عن بعض ويثبت لبعض ، ومن هذا الوجه قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( إنك لا تهدي من أحببت ) [القصص : 56]. وقال : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [البقرة : 272] ، وقال : ( وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ) [الروم : 53]. فإنه عنى الهداية التي هي التوفيق وإدخال الجنة دون التي هي الدعاء لقوله تعالى : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) [الشورى : 52]. وقال في الأنبياء : ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) [الأنبياء : 73]. فقوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) فسر على وجوه بحسب أنظار مختلفة إلى الوجوه المذكورة : (الأول) أنه عنى الهداية العامة ، وأمر أن ندعو بذلك وإن كان هو قد فعله لا محالة ليزيدنا ثوابا بالدعاء ، كما أمرنا أن نقول : اللهم صل على محمد. (الثاني) قيل : وفقنا لطريقة الشرع. (الثالث) احرسنا عن استغواء الغواة واستهواء الشهوات ، واعصمنا من الشبهات. (الرابع) زدنا هدى استنجاحا لما وعدت بقولك : ( ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) [التغابن : 11]. وقولك : ( والذين اهتدوا زادهم هدى ) [محمد : 17]. (الخامس) قيل : علمنا العلم الحقيقي فذلك سبب الخلاص ، وهو المعبر عنه بالنور في قوله : ( يهدي الله لنوره من يشاء ) [النور : 35] (السادس) قيل : هو سؤال الجنة ، لقوله تعالى : ( والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ) [محمد : 4 5]. وقال : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ) [يونس : 9] الآية. فهذه الأقاويل اختلفت
صفحه ۲۳۲