محاسن التأويل
محاسن التأويل
ژانرها
إن ذلك حسب استعمالهم اللفظ على التهكم كما قال :
وخيل قد دلفت لها بخيل
تحية بينهم ضرب وجيع!
والهداية هي الإرشاد إلى الخيرات قولا وفعلا ، وهي من الله تعالى على منازل بعضها يترتب على بعض ، لا يصح حصول الثاني إلا بعد الأول ، ولا الثالث إلا بعد الثاني. فأول المنازل إعطاؤه العبد القوى التي بها يهتدي إلى مصالحه إما تسخيرا وإما طوعا كالمشاعر الخمسة والقوة الفكرية ، وبعض ذلك قد أعطاه الحيوانات ، وبعض خص به الإنسان ، وعلى ذلك دل قوله تعالى : ( أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) [طه : 50] ، وقوله تعالى : ( الذي قدر فهدى ) [الأعلى : 3] ، وهذه الهداية إما تسخير وإما تعليم ، وإلى نحوه أشار بقوله تعالى : ( وأوحى ربك إلى النحل ) [النحل : 68] ، وقوله تعالى : ( بأن ربك أوحى لها ) [الزلزلة : 5] ، وقال في الإنسان ، بما أعطاه من العقل ، وعرفه من الرشد : ( إنا هديناه السبيل ) [الإنسان : 3] وقال : ( وهديناه النجدين ) [البلد : 10] ، وقال في ثمود : ( فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) [فصلت : 17] ، وثانيهما الهداية بالدعاء وبعثه الأنبياء عليهم السلام . وإياها عنى بقوله تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا ) [السجدة : 24]. وبقوله : ( ولكل قوم هاد ) [الرعد : 7] ، وهذه الهداية تنسب تارة إلى الله عز وجل ، وتارة إلى النبي عليه السلام ، وتارة إلى القرآن. قال الله تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) [الإسراء : 9].
وثالثها هداية يوليها صالحي عباده بما اكتسبوه من الخيرات ، وهي الهداية المذكورة في قوله عز وجل : ( وهدوا إلى الطيب من القول ، وهدوا إلى صراط الحميد ) [الحج : 24]. وقوله : ( أولئك الذين هدى الله ، فبهداهم اقتده ) [الأنعام : 90] وقوله : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) [العنكبوت : 69]. وهذه الهداية هي المعنية بقوله : ( ويجعل لكم نورا تمشون به ) [الحديد : 28]. ويصح أن ننسب هذه الهداية إلى الله عز وجل فيقال : هو آثرهم بها من حيث إنه هو السبب في وصولهم إليها. ويصح أن يقال : اكتسبوها من حيث أنهم توصلوا إليها باجتهادهم. فمن قصد سلطانا مسترفدا فأعطاه ، يصح أن يقال : إن السلطان خوله. ويصح أن يقال : فلان اكتسب بسعيه ، ولانطواء ذلك على الأمرين ، قال تعالى : ( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) [محمد : 17] ، وقال : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ) [يونس : 9]. فنبه أن ذلك بجهدهم وبفضله جميعا.
صفحه ۲۳۱