الخارجي الذي نراه منه، وهو ينطبق على ما نجده في الطبيعة من أشياء، وما نستخدمه منها في حياتنا اليومية على السواء.
غير أن هذا التفسير الذي سيطر على الفكر الفلسفي زمنا طويلا، وحدد تصوره للموجود عامة، سواء أكان مجرد شيء أم أداة لهدف أم عملا فنيا (يكفي أن نتذكر النزاع الأزلي حول قضية الشكل والمضمون في الأدب والفن وعلم الجمال!) لا يقربنا مع ذلك من حقيقة الشيء.
فالاعتراض الأول عليه:
أنه لا يمكننا من التمييز بين الموجودات - على اختلاف درجاتها - بين مجرد الشيء كأداة تقصد إلى هدف، والعمل الفني الذي لا يشك أحد في أنه أبعد من أن يكون مجرد شيء أو وسيلة لغاية، وإنما نتبين من خلاله تجربتنا بالوجود والحقيقة على الإطلاق.
والاعتراض الثاني:
أن هذا المركب من الصورة والمادة قد أصبح مع الزمن قالبا آليا يمكن أن يطبق في سهولة على كل ما يقع بين الأرض والسماء! فإذا فهمت الصورة على أنها العنصر المعقول المنطقي، والمادة على أنها العنصر غير المعقول وغير المنطقي، وإذا ربطنا هذه العلاقة بين الصورة والمادة بالعلاقة المشهورة بين الذات والموضوع، صارت لدينا أداة سهلة تحيل الفكر إلى آلية بحتة يوشك ألا يستعصي عليها شيء.
والاعتراض الثالث:
أنه لا ينبع من تصور مباشر للشيء بما هو شيء، بل يتصوره أداة تهدف إلى غرض، أعني أنه تفسير يأتي من جهة الإنتاج والصناعة، وهنا يمكننا أن نفهم ما يقوله أرسطو من أن الصورة تحدد نوع المادة، كذلك يفعل الحداد قبل أن يطرق الفأس، والنجار قبل أن يصنع السرير، والخزاف قبل أن يسوي الجرة، فارتباط الصورة بالمادة يقوم سلفا على الغاية التي جعلت لها الجرة والفأس والسرير. من هذه «الغائية» يحدد شكل الصورة كما اختير نوع المادة، واكتسب هذا النسق المؤلف من الصورة والمادة معناه، الشيء إذن - بحسب هذا التفسير - أداة أنتجتها يد صانع، والمادة تعينه من حيث هو وسيلة فحسب، ولا تعين بحال شيئيته بما هو شيء.
ولا نريد أن نعود بمركب الصورة والمادة إلى تطبيقاتها الواسعة على الموجود بإطلاقه، وذلك من ناحية الخلق والعقيدة وخاصة في فلسفة العصور الوسطى، ونكتفي بأن نقول: إن هذا التفسير الأخير مثله كمثل ما سبقه من تفسيرات لم يتقدم بنا خطوة في محاولتنا الولوج إلى قلب الشيء بما هو شيء، أعني مجردا عن الغاية منه، وعن الصفات التي يحملها، والخصائص الحسية التي تنضاف إليه،
9
صفحه نامشخص