4
ومحمول، والموضوع هو الذي «يحمل» خصائص الشيء وصفاته، والمسألة بهذا الشكل لا تكاد تحتمل الجدال: فمن ذا الذي يشك في العلاقة القائمة بين العالم واللغة، بين بناء الشيء الخارجي وبناء القضية اللغوية؟ ومع ذلك يمكننا أن نسأل: هل يعكس بناء القضية اللغوية (العلاقة بين الموضوع والمحمول) بناء الأشياء في العالم الخارجي (العلاقة بين الجوهر والعرض)؟ أم هل نعكس الأمر ونقول: إن تصورنا لبناء الشيء قائم على أساس القضية اللغوية؟ مهما يكن من أمر فإن الإجابة على هذا السؤال بوجهيه وتقرير أولوية أحدهما أصعب من أن يبت فيها في هذا المجال، بل إن في استطاعتنا أن نقول: إننا لم نصل فيه إلى جواب حاسم حتى اليوم، ولعل وضع السؤال على هذا النحو هو الذي جعل الإجابة عليه مستحيلة، فلا بناء القضية اللغوية هو المقياس الذي يطبق عليه بناء الشيء، ولا هذا الأخير مجرد صورة تعكس الأول، بل الأولى أن نقول: إن بناءهما معا - الشيء والقضية - وما يقوم بينهما من علاقات متبادلة ينبثقان عن مصدر واحد أصيل. والأمر بعد في هذا التفسير الأخير (الشيء هو الجوهر حامل الأعراض) يكشف عن أنه ليس تفسيرا بديهيا ولا طبيعيا كما بدا لنا في أول الأمر، ولعل وجه الطبيعة فيه أنه نشأ عن «عادة» قديمة أنستنا على مر العصور ذلك الأصل «غير العادي» الذي نبعت منه، هذا الشيء غير العادي هو الذي عرفه فكر الإنسان في فجره الحر الفتي الثائر عند اليونان، فنبهه وعلمه الدهشة، أعني علمه التفلسف.
5
هذا التفسير الذي لا يطلق على الشيء فحسب - بل على كل موجود على الإطلاق - تفسير لا يبلغ جوهره، ولا يصل إلى كنهه، وإنما يكتفي بأن يغلفه ويدثره، إنه لا يتيح لنا أن نلتقي التقاء مباشرا بحقيقة الشيء، بل الأولى أن نقول: إنه يأتينا عن طريق الحواس، أو إنه يصطدم بجسدنا إن جاز هذا التعبير، وليس عجيبا بعد هذا أن يقوم تصورنا للشيء على مجموع معطياته الحسية، أو مجموع إحساساتنا به. والواقع أن الأشياء أقرب إلينا من إحساساتنا بها، ووقوفنا عند هذه الإحساسات يضيع علينا معناها وحقيقتها الكلية، نحن نسمع العاصفة تهب، والباب يصفق، ولا نسمع مجرد إحساسات صوتية، ونحن نرى البيت ولا نرى مجرد إحساسات بصرية أو لونية، ونلتذ بطعم التفاحة ولا نقف عند ملمسها ولونها ورائحتها.
والتفسير الأخير يقول: إن ما يجعل الشيء شيئا هو المادة التي فيه، وهي التي تحدد خصائصه الحية من شكل ولون وحجم وامتداد، غير أن هذه المادة
6
لا تكون وحدها أبدا، بل هي دائما مصحوبة بالصورة،
7
والذي يجعل الشيء شيئا هو التقاء صورته بمادته، فالتفسير كله يقوم على أساس النظرة المباشرة للشيء أو على منظره
8
صفحه نامشخص