أقام لها الدنيا بكاء وأقعدا
ولم أرم فيه من سهامي صائبا
ولم أجر فيه من سيوفي مجردا
بلى رعت منه مهجة ذات مرة
وأوقدت فيها الغيظ حتى توقدا ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
فغصته هذه الأبيات فما ساغ له ريق، وأقذته فما اغتمض له جفن ، وأذكى علي العيون والأرصاد، وأتبعني بجماعة من رجاله ليوقعوا بي في غرة مني. فكلمت في أمره أحمد جلال الدين. فإذا قلبه يتلظى عليه غيظة وحنقا، فقال لي: هون عليك الأمر، فالخطب أصغر مما تظن، ودعني أنازله بالبأس ونازله أنت بالقلم.
قلت: هذا رجل شديد الوطأة على خصومه، صعب الكريهة، سابغ الدروع، تصرد سهام راميه وتصيب سهامه. فنظر أحمد جلال الدين إلي نظرة ملؤها الأسف وقال: كنت أحسبك أعظم جرأة مما أرى.
قلت: عندي رسالة صغيرة كتبتها، اسمها «الخافي والبادي في فضائح الصيادي»، وأريد أن أطبعها بمصر.
قال: نعم الرأي، ولكن على ألا تتعرض للسلطان؛ فإني أخاف أن يبطش بك. أما أبو الهدى فلك أن تقول فيه ما تريد على ألا تذكر شيئا غير الحق؛ فإني رجل لا أحب النصر بالباطل. هنالك كتبت رسالتي وبعثت بها إلى مصر مع أخي يوسف حمدي يكن، فطبعت، فباع الطابع رحمه الله نسخها. وقد بيعت النسخة الواحدة منها بجنيه، وبقي لي ولأخي من الكسب تعب الكتابة والطبع.
ولقد زرت الجنرال أحمد جلال الدين باشا يوما، فرأيت عنده الميرآلاي الدكتور عزت بك، وكان عالجني في سفرتي الأولى إلى الآستانة، فلما رآني أحمد جلال الدين قال للدكتور: أعد على ولي الدين ما كنت تقوله لي الساعة. فوجم الرجل، فقال له أحمد جلال الدين: ليس من الرأي أن تخاطبني في رجل وهو غائب وأن تسكت وهو حاضر، وأنت لا بأس عليك، وما على الرسول إلا البلاغ.
صفحه نامشخص