طبعا وخلقا فيفيض مِنْهُ أَفعَال الشجعان بعد ذَلِك طبعا وَإِن كَانَ مائلا إِلَى طرف الزِّيَادَة وَهُوَ التهور فليشعر نَفسه بعواقب الْأُمُور وبعظم أخطارها وليتكلف الاحجام إِلَى أَن يعود إِلَى الِاعْتِدَال أَو مَا يقرب مِنْهُ فَإِن الْوُقُوف على حَقِيقَة حد الِاعْتِدَال شَدِيد وَلَو تصور ذَلِك لارتحلت النَّفس عَن الْبدن وَلَيْسَ مَعهَا علاقَة مِنْهَا فَكَانَت لَا تتعذب أصلا بالتأسف على مَا يفوتهُ مِنْهَا وَكَانَ لَا يتكدر عَلَيْهِ ابتهاجه بِمَا يتجلى لَهُ من جمال الْحق وجلاله وَلَكِن لما عسر ذَلِك جَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها كَانَ على رَبك حتما مقضيا﴾
وَقَالَ ﵇ شيبتني سُورَة هود وَأَخَوَاتهَا وَأَرَادَ بِهِ قَوْله تَعَالَى ﴿فاستقم كَمَا أمرت﴾ فان الامتداد على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فِي طلب الْوسط بَين هَذِه الْأَطْرَاف شَدِيد وَهُوَ أدق من الشّعْر وَأحد من السَّيْف كَمَا وصف من حَال الصِّرَاط فِي الدَّار الْآخِرَة وَمن استقام على الصِّرَاط فِي الدُّنْيَا استقام عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة بل يكون فِي الْآخِرَة مُسْتَقِيمًا إِذْ يَمُوت الْمَرْء على مَا عَاشَ عَلَيْهِ ويحشر على مَا مَاتَ عَلَيْهِ وَلذَلِك يجب فِي كل رَكْعَة من الصَّلَاة سُورَة الْفَاتِحَة الْمُشْتَملَة على قَوْله تَعَالَى ﴿اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم﴾ فانه أعز الْأُمُور وأعصاها على الطَّالِب وَلَو كلف ذَلِك فِي خلق وَاحِد لطال العناء فِيهِ فَكيف وَقد كلفنا ذَلِك فِي جَمِيع الْأَخْلَاق مَعَ خُرُوجهَا عَن الْحصْر كَمَا سَيَأْتِي وَلَا مخلص عَن هَذِه المخاطرات إِلَّا بِتَوْفِيق الله وَرَحمته وَلذَلِك قَالَ ﵊ النَّاس كلهم هلكى إِلَّا الْعَالمُونَ والعالمون كلهم هلكى إِلَّا الْعَامِلُونَ والعاملون كلهم هلكى إِلَّا المخلصون والمخلصون على خطر عَظِيم
فنسأل الله الْعَظِيم أَن يمدنا بتوفيقه لنتجاوز الأخطار فِي هَذِه الدَّار وَلَا نخدع بدواعي الاغترار فَهَذَا هَذَا ثمَّ مَا ينْدَرج تَحت فَضِيلَة الشجَاعَة فَهُوَ الْكَرم والنجدة وَكبر النَّفس وَالِاحْتِمَال والحلم والثبات والنبل والشهامة وَالْوَقار
1 / 88