لا يمكن لأستاذ اللغة الفرنسية أن يعطيني علامة جيدة على ما أكتب! فمبدعي (أي رسالته) مليء بالاضطراب، شأنه شأن عقلي على كل حال! وربما كان لهذا السبب بالذات مبدعا وكنت من ثم كاتبا كبيرا!
وكتب مقالا شديد السخرية حول صحة رئيس الوزارة. وقال لي: «عندما لا نستطيع دفع الشر فلا أقل من أن نسخر منه!»
ومع ذلك، ففي نهاية السنة، وخاصة عند بداية العام الجامعي الجديد، كان غارقا في حزن أسود. وقد أسر لي: «أريد أن أكتب كتابا، وسوف أسميه «الجهد الضائع».»
كان يأمل أن يؤسس مجلة مع علي عبد الرازق. وبعد أن نوقش هذا الأمر مطولا، نصحه علي ومصطفى بالتخلي عن هذا المشروع.
كان وضعنا يتزعزع أكثر فأكثر. عندما سأله ماسينيون،
135
في رسالة مفعمة بالود، عما إذا كان على استعداد للذهاب إلى الولايات المتحدة، فقد عانى أشد العذاب. لكنه يكتب لي بعد ثلاثة أيام من التفكير: «لقد أيقظتني رسالة ماسينيون. إنني أستاذ معزول وعالم ممنوع عن العمل، ومن واجبي ألا أشتغل في السياسة، وإنما أن أؤلف الكتب وأسعى وراء الرزق. أما في أمريكا، فإنني سأكون أجنبيا، وسأنظر إلى حياة البلد دون أن أشارك فيها، ولن يكون علي أن أقوم فيها إلا بواجب محدود.»
نعم، أيها المناضل، فأنت لم تكتف قط «بواجب محدود».
لقد بقي له، فيما عدا الكتب، مجلة كان قد أصدرها بالمشاركة مع أحمد حسن الزيات، وهي مجلة «الرسالة»، ثم محنة العديد من المجلات: «الكاتب»، وأخيرا «الوادي » وذكرياتها المؤلمة.
ومع ذلك، كانت الأفكار الجديدة والمفاهيم الجريئة تشق طريقها بفضل إرادته التي لم تعرف القنوط.
صفحه نامشخص