ما الحياة؟: الجانب الفيزيائي للخلية الحية
ما الحياة؟: الجانب الفيزيائي للخلية الحية
ژانرها
ليس من المتوقع أن يلم غير المشتغلين بالفيزياء - فضلا عن أن يقدروا - دلالة هذا الاختلاف في «التركيب الإحصائي» المعبر عنه على نحو مجرد للغاية كالذي استخدمته للتو. وفي سبيل منح الأمر نبضا وحيوية، سأستبق وأذكر ما سيأتي شرحه تفصيلا فيما بعد؛ ألا وهو أن أكثر أجزاء الخلية الحية أهمية، وهو الليفة الكروموسومية، قد يكون مناسبا أن نطلق عليه «البلورة غير المنتظمة أو الدورية». لم نتعامل في الفيزياء حتى اللحظة الراهنة إلا مع «البلورات المنتظمة». في نظر الفيزيائي العادي، تعد الأخيرة مواد شائقة ومعقدة للغاية؛ فهي تمثل واحدامن أكثر تركيبات المادة روعة وتعقيدا التي تخلب بها الطبيعة غير الحية لبه. غير أنها بسيطة ومملة إذا ما قورنت بالبلورات غير المنتظمة. يشبه الفارق في تركيبهما ذلك الفارق بين ورق حائط عادي وتحفة فنية مطرزة ومزخرفة، كلوح رافايل النسيجي المطرز مثلا؛ ففي المثال الأول، يتكرر النمط نفسه مرة تلو الأخرى على نحو دوري منتظم، أما في الثاني، فلا تكرار ممل، بل تصميم دقيق محكم ذو مغزى، نسجه فنان بارع.
إنني أقصد هنا الفيزيائي الحق عندما قلت إن البلورة المنتظمة تعد أكثر المواد تعقيدا في بحثه. إن الكيمياء العضوية، من خلال بحثها ومحاولتها سبر أغوار جزيئات أكثر تعقيدا، اقتربت كثيرا في الحقيقة من البلورة غير المنتظمة التي في رأيي هي المادة الحاملة للحياة؛ لذا ليس عجيبا أن يكون لعلماء الكيمياء العضوية إسهامات كبيرة مهمة بالفعل في معضلة الحياة، بينما إسهامات الفيزيائيين تكاد تكون معدومة. (3) منهج الفيزيائي العادي في تناول الموضوع
بعد أن أوضحت بإيجاز شديد الفكرة العامة - أو بالأحرى النطاق الرئيسي - لبحثنا، دعوني أصف طريقتي في تناول الأمر.
أقترح بداية أن نتوسع فيما يمكن لكم أن تدعوه ب «أفكار الفيزيائي العادي عن الكائنات الحية»، وهي الأفكار التي قد تبزغ في ذهن الفيزيائي الذي درس الفيزياء، خاصة الأساس الإحصائي لها، ثم بدأ التفكير في الكائنات الحية، وفي طريقة سلوكها وأدائها وظائفها، وسأل نفسه على نحو واع عما إذا كان يستطيع أن يسهم بما له صلة بالمسألة؛ وذلك من خلال ما تعلمه، ومن منظور علمه البسيط والواضح والمتواضع نسبيا.
سينجلي الأمر عن استطاعته. أما الخطوة التالية فيجب أن تكون مقارنة تكهناته النظرية بالحقائق البيولوجية. سيتبين لاحقا أنه بالرغم من أن أفكاره في مجملها تبدو معقولة تماما، فإنها بحاجة إلى تعديلات كبيرة. بهذه الطريقة يمكن لنا تدريجيا أن نقترب من الطريق الصحيح، أو بتعبير أكثر تواضعا، الطريق الذي أرى أنه صحيح.
حتى لو كنت مصيبا في ذلك، فلا أدري إن كان أسلوبي هذا هو الأفضل والأسهل أم لا لكنه، باختصار، أسلوبي. و«الفيزيائي العادي» هو أنا، ولم أجد أي أسلوب أوضح أو أفضل لتحقيق هدفي إلا أسلوبي الملتوي ذلك. (4) لماذا تتسم الذرات بحجمها الشديد الضآلة؟
من الأساليب الجيدة للتوسع في «أفكار الفيزيائي العادي» البدء بذلك السؤال الغريب، الذي يكاد يكون سخيفا: لماذا تتسم الذرات بحجمها الشديد الضآلة؟ إن الذرات، بداية، صغيرة للغاية بالفعل، ويحوي كل جزء صغير من المادة التي نتعامل معها في حياتنا اليومية عددا هائلا منها. قدم الكثير من الأمثلة لتوضيح هذه الحقيقة وتيسير فهمها على المتلقين، لكن أشدها إثارة للإعجاب هو ذلك المثال الذي ضربه اللورد كلفن: افترض أنك قادر على وضع علامة على الجزيئات التي يحتويها كوب ماء لتمييزها، وأنك صببت محتوى الكوب في المحيط، وقلبت المحيط جيدا حتى تتوزع الجزيئات المميزة بالتساوي على مائه؛ إذا أخذت كوبا من الماء من أي موضع في المحيط، فستجد فيه ما يقارب المائة من جزيئاتك المميزة.
3
يتراوح الحجم الفعلي للذرات
4
صفحه نامشخص