120

ما بعد الأیام

ما بعد الأيام

ژانرها

في خريف سنة 1947، تتهدد الكوليرا مصر، الخطر يتزايد، أمينة تريد أن تتطوع للعمل مع سيدات الهلال الأحمر في مكافحة الوباء، طه حسين يتذكر الوباء القديم الذي أودى بحياة أخيه محمود، وكان محمود قد تطوع كذلك لمقاومة الوباء، ولكنه لا يحاول إقناع ابنته بعدم التطوع.

أمينة تعمل مع سيدات الهلال الأحمر في قسم الدرب الأحمر بالقاهرة، وفي آخر أكتوبر 1947 كان معدل الوفيات المعلنة أربعمئة شخص يوميا، غير المتوفين الذين كان أهلهم يخفونهم خوفا من إجراءات الحكومة. الوباء يستشري في الريف، تسافر بعض سيدات الهلال الأحمر إلى الصعيد وتسافر أمينة معهن، البعثة تدخل الطمأنينة على نفوس نساء الصعيد فيقبلن التعاون مع سيداتها، وفي آخر نوفمبر يهبط عدد ضحايا الكوليرا من أربعمئة شخص إلى عشرين شخصا، وتعود أمينة مع بعثة الهلال الأحمر إلى القاهرة بعد أداء المهمة التي سافرت لأدائها. •••

وفي بيت الأسرة بالزمالك تقرأ أمينة لوالدها صحف الصباح، لقد نشرت أسماء الوفد الذي ألفته الحكومة المصرية ليشترك في مؤتمر اليونسكو الذي سوف يعقد في بيروت، واسم طه حسين لم يرد بين أسماء أعضاء هذا الوفد.

وتقول أمينة لوالدها: «أنت كما ترى لا تصلح الآن لتمثيل مصر في مؤتمر لليونسكو، وإن كانت دول العالم قد سبق أن انتخبتك رئيسا للجنة الأدبية في عصبة الأمم منذ سنين.»

ويرد طه حسين، وهو يبتسم ابتسامة خفيفة: «إذا كانت مصر هي الملك، فإنني لا أمثل مصر طبعا. المهم هو عشاء الليلة، قد دعوت الدكتور الزيات للعشاء.»

على مائدة العشاء في منزل طه حسين أفراد الأسرة ومعهم محمد حسن الزيات، يقول الدكتور الزيات في آخر العشاء: «والدي وأخواي إبراهيم وعبده يحضرون من دمياط غدا، ويرجون زيارتكم في نفس اليوم إن أمكن ...»

وفي اليوم التالي، بعد ساعة يلتقي فيها الوالدان لقاء طويلا وسعيدا يهنئ طه حسين ابنته وصهره بخطبتهما، وتهنئهما أمها، ويدور حديث حول موعد الزواج، والعروسان يريدان زواجا بسيطا وعاجلا.

وفي أثناء الحديث تصل برقية من الحكومة اللبنانية تقدم الدعوة لطه حسين بصفته الشخصية ليشترك في مؤتمر اليونسكو ضيفا على لبنان، وتمر لحظات لا يعلق فيها طه حسين على الدعوة، إن بلاده عزيزة عليه دائما وأهله كرام لديه في كل الأوقات، ولكنه يرى الآن أن بلاده هي كل البلاد العربية وأن أهله هم العرب أجمعون، وتلح عليه أمينة وخطيبها في أن يرد بالقبول. •••

ويصل طه حسين إلى لبنان في نوفمبر عام 1947 ضيفا على حكومة لبنان.

وفي الصالة التي شيدتها لبنان خصيصا لانعقاد «مؤتمر اليونسكو» يجلس طه حسين على المنصة العالية، وحيدا بغير مذكرات أو أوراق أو سكرتير، مطلا على الجمهور الذي ملأ القاعة على اتساعها وفاض عنها إلى الطريق.

صفحه نامشخص