قاطعها: لم تحدث في النهار.
تبادلا نظرة قلقة مضطربة بالخواطر المكتومة .. قالت بفزع: حدثني عن الحلم.
فقال بضيق: قلت إنه عفريت .. ولكنه حلم.
تبادلا النظرة مرة أخرى .. وتبادلا معاناة القلق .. قالت أم السعد بحذر: ليكن الأمر سرا.
أدرك سر مخاوفها المتجاوبة مع مخاوفه .. إذا جرى ذكر العفريت فلا يدري ماذا يحيق بسمعته كتاجر غدا، ولا ماذا تتعرض له سمعة كريمته حسنية وابنه فاضل، قد يلد الحلم خرابا شاملا .. ثم إنه ليس على يقين من شيء .. قالت أم السعد: الحلم حلم .. وسر الجرح يعلمه الله وحده.
فقال بيأس: هذا ما يجب التسليم به. - المهم الآن أن تبادر إلى العلاج، فاذهب إلى صديقك إبراهيم العطار.
كيف يهتدي إلى الحقيقة؟ .. أرهقه القلق حتى أحنقه فجاش بالغضب .. شعر بأنه يمضي من سيئ إلى أسوأ.. وجدانه جميعه يشحن بالغضب والحنق، وطبعه يسوء؛ فكأنه يخلق من جديد على حال تناقض دماثته القديمة الراسخة، ولم يعد يطيق نظرات المرأة، فكره نظراتها ومقت خواطرها ووجد رغبة في تحطيم كل قائم .. وفي غفلة من ذاته الضائعة طعنها بنظرة غاضبة حانقة مستفزة كأنما هي المسئولة عن محنته، ثم تحول عنها ذاهبا وهي تغمغم: ليس هذا بصنعان الذي كان!
وجد في الصالة فاضل وحسنية على ضوء كاب نضحت به ثقوب المشربية .. ارتسم في وجهيهما انزعاج دل على ارتفاع صوته الهائج، فازداد غضبا، وصاح بهما بلا سبب وعلى غير عادة: اغربا عن وجهي.
رد باب حجرته وراءه وراح يتفحص ساعده .. لحق به فاضل بشجاعة .. قال بقلق: لعلك بخير يا أبي.
فقال له بفظاظة: دعني وحدي. - كلب عضك؟ - من قال لك ذلك؟ - أمي.
صفحه نامشخص