256

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

ناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

شماره نسخه

الثانية

سال انتشار

۱۴۰۲ ه.ق

محل انتشار

دمشق

أَذْهَانٍ قَدِ انْحَرَفَتْ عَنْ جَادَّةِ الْمَأْثُورِ وَزُبَالَاتِ أَنْظَارٍ قَدِ انْفَلَتَتْ عَنِ الْمَنْهَجِ الْمَشْهُورِ إِلَى التَّهَافُتَاتِ الْفَلْسَفِيَّةِ وَالتَّخَيُّلَاتِ الْكَلَامِيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - فِي شَرْحِ (الْعَقَائِدِ الْأَصْفَهَانِيَّةِ): الصَّوَابُ أَنَّ الْخَلْقَ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ.
قَالَ: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ الْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ قَوْلُهُمْ فَاسِدٌ وَبَيَّنَ وَجْهُ فَسَادِهِ، وَذَكَرَ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَخْبَارِ النَّبَوِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ شَيْئًا كَثِيرًا مِثْلَ ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: ٢٩]، ﴿اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٢٨] وَقَوْلَهُ ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧]، فَأَخْبَرَ أَنَّ طَاعَتَهُ سَبَبٌ لِمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَمَعْصِيَتَهُ سَبَبٌ لِسُخْطِهِ وَغَضَبِهِ، وَقَالَ تَعَالَى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢]، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَعَ الشَّرْطِ كَالْمُسَبَّبِ مَعَ سَبَبِهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ ﵎ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» "، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا " «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِمَّنْ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ، إِذَا هُوَ بِدَابَّتِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ» ".
وَفِي الصَّحِيحِ " «يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» "، وَفِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ مِنْ هَذَا شَيْءٌ كَثِيرٌ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ إِحْصَاؤُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا. ثُمَّ قَالَ: وَبِهَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، الْقُرْآنُ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَكَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا، بَلْ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ وَأَكَابِرُهُمْ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ حَتَّى مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، يَظْهَرُ بُطْلَانُ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ مَنْسُوبٌ إِلَى دِيمَقْرَاطِيسَ، وَهِيَ الْعِلَّةُ وَالنَّفْسُ وَالْهَيُولَى - وَهِيَ فِي لُغَتِهِمْ بِمَعْنَى الْمَحَلِّ - وَالْخَلَاءِ وَالدَّهْرِ فَزَعَمَ هَؤُلَاءِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَةَ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ، وَأَنَّ سَبَبَ حُدُوثِ الْعَالَمِ أَنَّ النَّفْسَ الْتَفَتَتْ إِلَى الْهَيُولَى وَامْتَنَعَ عَلَى الرَّبِّ تَخْلِيصُهَا أَوْ رَأَى أَنَّهُ لَا يُخَلِّصُهَا (حَتَّى تَذُوقَ)

1 / 256