وكلفني الرئيس العظيم بعد ذلك ببعض مهام أرى من حقه علي أن أبقيها طي الكتمان فقد كانت جميعها لمصلحة مصر ومصر وحدها، وفي يوم من الأيام فوجئت بالأستاذ سامي متولي صديقي وزميلي بالأهرام يكلمني في بيتي: مبروك. - مبروك ماذا؟ - ألا تعلم؟ - لا والله لا أعلم. - لقد رشحك الرئيس لتكون وكيلا لمجلس الشورى. - أنا لا أعرف شيئا عن هذا مطلقا.
وكان موعد نومي في القيلولة قد حان، فدخلت حجرتي ونمت كأنني لم أسمع شيئا، وحين صحوت أبلغني أهل بيتي أن الأستاذ كمال الشاذلي سأل عني وقبل أن أطلبه طلبني، وقال وهو يضحك قائلا: أنت نائم يا أخويا!
فضحكت وقلت: هل هناك مانع؟
وأبلغني بنبأ ترشيحي لوكالة مجلس الشورى التي ما زلت أشغلها حتى اليوم.
أيها القارئ العزيز
هذه لمحات من حياتي ورأيت أن أقدمها بين يديك قبل أن يجف مني القلم وترتعش مني اليد، ربما أكون قد أخفيت شيئا ولا شك أنني نسيت أشياء، ولكني أحسست أن من حق القراء الذين وهبوا لي رضاءهم الذي أحيا به وله، أن يعرفوا بعض الخوافي من حياتي، وأحمد الله إليهم أنني اليوم لا أطمح إلى أي منصب، فإن أي منصب سيقف حائلا بيني وبينهم إلا هذا المنصب الذي أشغله اليوم، والذي أقنع به كل القناعة؛ لأنه يتيح لي أمرين هما كل ما أعيش له، أولهما: أن أخدم في مجلس تشريعي مصر التي أعبدها بعد الله عبادة محب مقدس أرضها وسماءها وشعبها وهواءها وكل ما فيها. أما الأمر الثاني: فهو أن أظل ممسكا بهذا القلم ليكون صلة بينك وبيني، وهي صلة أعتبرها أنا أكرم الصلات وأشرفها وأرفعها قدرا في صلات البشرية جميعا، والحمد لله على الكثير الكثير الذي أعطى والقليل القليل الذي منع، له الشكر والفضل على الحالتين تقدست آلاؤه.
ثروت أباظة
الأهرام في 30 أكتوبر سنة 1992م
الموافق 3 ربيع ثاني سنة 1413ه
صفحه نامشخص