وظل الأمر كذلك حتى حريق القاهرة وانهيار الحياة البرلمانية في مصر.
الفصل السابع
لعن الله السياسة فقد جرفتني عن الحديث إليك عن نفسي في هذه الفترة، وماذا كنت مستطيعا أن أفعل، وقد كانت الأحداث يأخذ بعضها برقاب بعض، وقد حذرتك من أول هذا الحديث أنني لن أتقيد بسنوات ولا بالأيام المتتاليات، وإنما سأترك الأحداث تقدم نفسها إليك في عفوية وفي غير ترتيب أو تدبير.
مضيت في دراسة الحقوق غير متعثر ولا متفوق، وظللت أكتب في مجلة الثقافة والرسالة معا.
وفي يوم فوجئت بعمي عزيز باشا، ولم يكن قد نال الباشوية بعد يطلبني بالتليفون ويهنئني على مقالة لي ظهرت في مجلة الثقافة، فملأني الفرح العظيم، فقد كان عزيز باشا في ذلك الحين قد انبثق كالشهاب في سماء الشعر العربي بديوانه الأول الذي اختص به ذكرى زوجته السيدة زينب هانم أباظة، وقد كانت هذه السيدة من أحب الناس إلى أمي، كما كانت أمي من أحب الناس إليها، وكانت صلتنا بأسرة عزيز باشا وثيقة كل التوثيق، فقد كان عزيز باشا يعتبر أبي أخا أكبر له، ولعل من الطريف أن عمي عزيز هنأ أبي بزواجه بقصيدة أعلقها في بيتي الآن، فالمادح والممدوح جدا ابنتي وابني، وربما يكون من المعقول أن أثبت هذه القصيدة في هذا الحديث الذي أتقدم به إليك، فهي على أية حال قصيدة لم تعرف لآخر عمالقة الشعر العربي وموضوعها أبي، وهذا الكتاب يحمل إليك ما لا تعرفه عن حياتي، فما بغريب أن أقدم إليك القصيدة التي أنشأها جد أولادي عن جد أولادي في عام 1924م، وهو العام الذي تزوج فيه أبي، وكان عزيز باشا قد تزوج فعلا من السيدة زينب هانم بعد قصة حب رائعة، والذي لا شك فيه أن قليلين الذين يعرفون أنها كانت تكبره بعامين، ولكن صلتنا بأسرة عزيز باشا لم تكن تتمثل في كثرة التزاور، فقد كان في هذه الفترة مديرا في مديريات مصر، وكان مجيئه إلى القاهرة قليلا.
ومكالمته هذه لي التي حدثتك عنها كانت وهو مدير لأسيوط، وكانت روايته قيس ولبنى قد ظهرت أيضا فوضعت قدمه بعظمة على المسرح الشعري، وشاءت الأقدار أن تكون لي به وبأسرته وبرواياته أعمق الصلات وأقواها، طبعا لأنني تزوجت ابنته الصغرى فكانت ولا زالت حياتي، أو هي - والله أعلم - أحب إلي من حياتي وهي ابنتي أمينة وابني دسوقي، ولكن حبي لها فهي زوجة وشقيقة روح وخدن عمري أقوى من حبي لها أما لابنتي وابني.
إليك القصيدة وقد تلحظ فيها أن عزيز باشا يمتدح زواج الأقارب، وما هذا بغريب، فزوجته زينب هانم بنت عمه سليمان بك عثمان أباظة عضو مجلس الشيوخ، كما تزوج أبي ابنة عمه عبد الله بك السيد أباظة، وقد كان عضوا بمجلس شورى القوانين ، وهو ابن السيد باشا أباظة والد جدي لوالدي إبراهيم بك أباظة، الذي كان عمدة غزالة بلدتنا، وقد أنجب سيد باشا أربعين ابنا وابنة، وربما من الطريق هنا أن أذكر أن السيد باشا هذا أهدى الخديو تفتيشا قدره 12 ألف فدان مما يدحض قول الجاهلين إن الخديو كان يوزع الأرض على الأعيان، فالحقيقة أن الأعيان هم الذين يهدون الأرض إلى الخديو.
أما توزيع الأرض من الملوك على الأمراء والإقطاعيين فلم يكن إلا في فرنسا، وما عرفته مصر على الإطلاق، وما عرفت الإقطاع الذين يهرفون به في حياتها.
إليك القصيدة:
حي الغزالي
صفحه نامشخص