وقد علمتم تفاصيل التقوى على الجوارح والقلوب، بحسب الأوقات والأحوال: من الأقوال، والأعمال، والإيرادات، والنيات.
وينبغي لنا جميعا أن لا نقنع من الأعمال بصورها حتى نطالب قلوبنا بين يدي الله تعالى بحقائقها. ومع ذلك فلتكن لنا همة علوية، تترامى إلى أوطان القرب، ونفحات المحبوبية والحب. فالسعيد من حظي من ذلك بنصيب. وكان مولاه منه على سائر الأحوال قريبا بخصوص التقريب.
فيكتسي العبد من ذلك ثمرة الخشية والتعظيم، للعزيز العظيم، فالحب والخشية ثابتان في الكتاب العزيز والسنة المأثورة. قال تعالى: {يحبهم ويحبونه} (المائدة:54) {والذين آمنوا أشد حبا لله} (البقرة:165) وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر:28) وفي الحديث [أسألك حبك وحب من أحبك وحب عمل يقربني إلى حبك] (رواه الترمذي عن ابن عباس في دعاء طويل) وفي الحديث [لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله] (رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بدون قوله [ولخرجتم الخ] وهو بهذه الزيادة عند الطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي عن أبي الدرداء).
ومعلوم أن الناس يتفاوتون في مقامات الحب والخشية، في مقام أعلى من مقام، ونصيب أرفع من نصيب، فلتكن همة أحدنا من مقامات الحب والخشية أعلاه، ولا يقنع إلا بذروته وذراه، فالهمم القصيرة تقنع بأيسر نصيب، والهمم العلية تعلو مع الأنفاس إلى قريب الحبيب لا يشغلنا عن ذلك ما هو دونه من الفضائل، والعاقل لا يقنع بأمر مفضول عن حال فاضل. ولتكن الهمة منقسمة على نيل المراتب الظاهرة، وتحصيل المقامات الباطنة. فليس من الإنصاف الانضباب إلى الظواهر والتشاغل عن المطالب العلوية ذوات الأنوار البواهر.
صفحه ۷۷