لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية
ژانرها
الثالثة: قوله: {لابثين فيها أحقابا} (النبأ:23)، ولولا الأدلة القطعية الدالة على أبدية الجنة ودوامها لكان حكم الاستثناءين في الموضعين واحدا كيف وفي الآيتين من السياق ما يفرق بين الاستثناءين فإنه قال في أهل النار: {إن ربك فعال لما يريد} (هود:107)، فعلمنا أنه سبحانه وتعالى يريد أن يفعل فعلا لم يخبرنا به، وقال في أهل الجنة: {عطاء غير مجذوذ} (هود:108)، فعلمنا أن هذا العطاء والنعيم غير مقطوع عنهم أبدا. فالعذاب مؤقت معلق والنعيم ليس بمؤقت ولا معلق.
الوجه الثالث: أنه قد ثبت أن الجنة لم يدخلها من لم يعمل خيرا قط من المعذبين الذين يخرجهم الله من النار، وأما النار فلم يدخلها من لم يعمل سوءا قط ولا يعذب إلا من عصاه.
الوجه الرابع: أنه قد ثبت أن الله سبحانه وتعالى ينشيء للجنة خلقا آخر يوم القيامة يسكنهم إياها ولا يفعل ذلك بالنار، وأما الحديث الذي قد ورد في صحيح البخاري من قوله: [وأما النار فينشيء الله لها خلقا آخرين] فغلط وقع من بعض الرواة انقلب عليه الحديث وإنما هو ما ساقه البخاري في الباب بنفسه: [وأما الجنة فينشيء الله لها خلقا آخرين] ذكره البخاري رحمه الله مبينا أن الحديث انقلب لفظه على من رواه بخلاف هذا وهذا، والمقصود أنه لا تقاس النار بالجنة في التأبيد مع هذه الفروق.
الوجه الخامس: أن الجنة من موجب رحمته ورضاه، والنار من غضبه وسخطه، ورحمته سبحانه تغلب غضبه وتسبقه، كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش أن رحمتي تغلب غضبي]. وإذا كان رضاه قد سبق غضبه وهو يغلبه كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه وما هو من موجب غضبه ممتنعا.
صفحه ۱۲۱