فسألتها إحداهن بسرعة: قران من يا مولاتي؟
فأجابت الأميرة مازحة: قراني لا قرانك يا فاجرة. - وأي شروط يا مولاتي إلا أن يخطبك حبيبك، ويحبك خطيبك. - صدقت، لكن هذا يجوز على بعض بنات الناس، ولا يجوز على بنت الملك، إني أراك تجهلين الأمر، ولا تدرين ما يجري من الأحوال في القصر، فاعلمي أنه لا يكون من زواجي إلا ما أرضى أنا ويأذن الملك وتصادق المملكة بعد ذلك عليه، فأنا أقترح أن يكون المتعرض لخطبتي، الراغب في صحبتي، فتى بين العشرين إلى الثلاثين، فائق النظراء والأمثال في الشجاعة والحكمة والجمال، والملك يشترط أن يكون صهره ملكا، سواء نال الملك بكده وجده، أو توارثه عن أبيه بعد جده، والمملكة تريد أن يرفع بعلي لآلهة اليونان أربعين هيكلا مشيدة البنيان، في البلاد التي له فيها الملك والسلطان.
فلعب هذا الجواب برأس الفتاة، وساء موقعا عند سائر البنات، فصحن جمعاء قائلات: حقا، إن هذه لهي الثلاثة المستحيلات، فإن صح ما تقول الأميرة فلا هي متزوجة ولا نحن متزوجات.
فقالت لادياس وقد أضحكها غضب أترابها: وهل تكرهن أن تأخذن من حالاتي بنصيب، فإن تزوجت تزوجتن، وإلا عشتن أبكارا ما عشتن.
فسألتها فتاة: وكيف الطريقة يا مولاتي في معرفة من يفوق النظراء والأمثال، في الشجاعة والحكمة والجمال، أترجعون في ذلك إلى امتحان، أم عندكم أن الشهرة تغني الإنسان؟ - بل إلى الامتحان؛ حيث يكرم المرء أو يهان، فأما الشجاعة والحكمة فينظر الملك فيهما، ويختار لي من يستوفيهما، وأما الجمال فيعرض على عيني وقلبي، فلا يختاران منه إلا ما يصبي.
قالت: سبحان المنعم وجلت أيادي السماء ! فلو لم تكن مولاتي أسعد النساء وأنعم بنات حواء، لما أتيح لها أن تتزوج من الرجال من تشاء، بل عندي أن جميع ما سبق من إحسان السعادة إليك في كفة من ميزان، وهذه المنة بمفردها في الكفة ذات الرجحان، ولكن هل اقتصرتم يا مولاتي على شبان أبناء الديار، أو بلغتم ذلك إلى غيرهم من بني الممالك والأمصار؟
قالت: بل إن الملك بعث منشورا بذلك إلى أمراء الجوار، وإلى فرعون وكسرى وصاحب الهند، ملوك الوقت الثلاثة الكبار، وعما قريب تتوافد المراكب، حاملة الملوك والأمراء من الأجانب، مقلة الشجعان متقاطرين من كل جانب، وحينئذ ينظر فيمن يليق، ولا يفوز بي إلا الجدير الخليق.
قالت فتاة: إن جماعة القصر يا مولاتي يتساءلون عن نبأ عظيم، وأمر يقع الآن جسيم، إلا أنهم يذهبون في التكتم على خط مستقيم، كأنما يتجاهلون أو كأن ليس منهم رجل عليم.
قالت: وعم يتساءلون؟ - عن أمر أولئك القوم، الذين يقبض عليهم في كل يوم، ويزجون في السجن؛ سجن القصر، حتى كأن هناك عصيانا يتلافى الملك وقوعه، أو حزبا خفيا هو يحل نظامه ويفكك مجموعه.
قالت: لا عصيان ولا حزب مع ملك حكيم عادل مثل أبي، ولكن ربما كان للملك في ذلك مراد، لم يطلع عليه أحدا من العباد. - حسبت يا مولاتي أن للأمر علاقة بالأمير ابن عمك.
صفحه نامشخص