منزلة الصحابة في الإسلام
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فهذه المجموعة هي مجموعة من المحاضرات، وقد أطلقت عليها اسم: (كن صحابيًا)، وهي محاولة للاقتراب جدًا من جيل الصحابة، هذا الجيل الراقي رفيع المستوى، الذي ما تكرر مثله في التاريخ، سواء في السابق لجيل الصحابة أو بعده، وقد أخبر رسول الله ﷺ أنه لن يأتي جيل مثله إلى يوم القيامة، فعظمة هذا الجيل وقيمته تأتي من كون هذا الجيل بأكمله يتصف بصفات معينة، من سلامة العقيدة، وكمال الأخلاق، وأمانة النقل، وصفاء القلب، وقوة العزيمة، وحب الجهاد، فكان بأكمله جيلًا على هذه الدرجة الراقية من الأخلاق والصفات.
وقد يظهر إنسان نابغة في زمان من الأزمان، أو تظهر مجموعة من الأمناء الصادقين الأبرار في جيل من الأجيال، أما أن يكون جيل الصحابة بكامله على صورة معينة من النقاء والبهاء فهذا هو الغريب حقًا، وهذا هو الأمر الملفت للنظر، فلو أنه في زمن من الأزمان ظهر رجل كـ عمر بن الخطاب مثلًا، فهذا من سعادة هذا الجيل، ومن سعادة هذا الزمن، وكذلك لو ظهر شخص مثل أبي بكر الصديق، أو مثل طلحة بن عبيد الله، أو مثل خالد بن الوليد، أو مثل أبي هريرة وهكذا، لكن أن يظهر كل هؤلاء في زمن واحد فهذا هو الأمر العجيب حقًا، والأمر الفريد حقًا، ولذلك فليس الغرض من هذه المجموعة من المحاضرات أن نسرد الأقوال والأفعال التي قام بها الصحابة، يعني: ليس مجرد سيرة ذاتية للصحابة، وكذلك ليس الغرض أن نتعرض إلى كل الأحداث التي مر بها الصحابة، ولكن الغرض أن نتعلم: كيف نقلد جيل الصحابة؟ كيف نكون كجيل الصحابة؟ كيف نسير في طريق الصحابة؟ كيف نصل إلى ما وصل إليه الصحابة، سواء في الدنيا أو في الآخرة؟ وقبل أن نتعلم كيفية وصول الصحابة إلى هذا المستوى الراقي، وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه؟ وقبل أن نتعلم كيف يمكن أن نسير في طريقهم؟ أريد في هذه المحاضرة أن أتحدث عن قيمة هذا الجيل في ميزان الإسلام، وقيمة هذا الجيل في ميزان التاريخ، بل وقيمة هذا الجيل في ميزان الله ﷿، فهو الجيل الوحيد في الإسلام الذي تستطيع أن تعرف قيمته في ميزان الله ﷿؛ لأن هذا لا يتأتى ولا يمكن معرفته أبدًا على وجه اليقين إلا بإخبار من الله ﷿ في كتابه أو عن طريق رسوله الكريم ﷺ، أما عموم البشر بعد هذا الجيل فلا يمكن الجزم أبدًا بأن هذا الجيل جيل ثقيل في ميزان الله ﷿، أو يمكن أن نرجح أن هذا الإنسان إنسان فاضل أو إنسان يسير على طريق الهدى، لكن لا يمكن الجزم بأنه فعلًا على طريق الله ﷿؛ لأن التقييم الإلهي للفرد لا يعتمد فقط على ظاهر الأعمال التي نراها نحن بأعيننا، وإنما يعتمد أيضًا على القلب وعلى النوايا، وهذا ما لا يمكن للبشر أن يتيقنوا منه أبدًا، نعم قد يكون هناك شواهد تشير إلى فضائل الرجال والنساء، لكن هذا كما ذكرنا لا يمكن أن يكون على وجه اليقين، فنحن يمكن أن نرى رجلًا حسنًا من ظاهره، لكن من داخله مختلف تمامًا، ولا يعلم ذلك إلا الله ﷿.
لكن تعالوا نرى جيل الصحابة، وماذا قال الله عنهم، يقول الله ﷿ عن أصحاب بيعة الرضوان: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [الفتح:١٨] أي: أن الله قد رضي عنهم، وقضي الأمر وانتهى، ثم قال: ﴿إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح:١٨]، فهذه الآية لم تذكر في حق صحابي أو مجموعة صحابة، لا، بل ذكرت في حق ألف وأربعمائة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، واسمع إلى قوله ﷾: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:١١٧]، وهذه الآية قيلت في حق ثلاثين ألفًا من الصحابة الذين اشتركوا في غزوة تبوك، ولذا فمن المستحيل بالنسبة للأجيال التي تلت جيل الصحابة أن نصل إلى اليقين، وأن الله ﷿ قد تاب على إنسان بعينه، مهما بلغ ذلك الإنسان من العمل في الدنيا، فلا نستطيع أبدًا أن نجزم بخيريته عند الله، أو بمكانته عند الله، أو بدرجته في الجنة، أو بنجاته الحتمية من النار، من أجل هذا نستطيع أن نفهم المعنى اللطيف الذي زرعه الرسول ﷺ في صحابته، ففي
1 / 2