الِاخْتِيَار من أهل الْحل وَالْعقد وَقد نسخوها بالقاعدة المادية، الْقُوَّة تغلب الْحق، فهم الَّذين هدموها، وتبعهم من بعدهمْ فِيهَا.
وَمن اطلع على كتب السّنة يعلم أَن الله تَعَالَى قد اطلع رَسُوله [ﷺ] على مُسْتَقْبل أمته، وَأَن مَا وَقع كَانَ مِمَّا تَقْتَضِيه طباع الْبشر بِحَسب قدر الله وسنته، وَقد أخبر بذلك بعض أَصْحَابه بالتلميح تَارَة وبالتصريح أُخْرَى وَمِنْهُم أَبُو هُرَيْرَة الَّذِي روى عَنهُ فِي الصِّحَاح وَالسّنَن وَالْمَسَانِيد عدَّة أَحَادِيث وآثار فِي ذَلِك وَأَنه كَانَ يستعيذ بِاللَّه من إِمَارَة الصّبيان وَمن رَأس السِّتين وَهِي السّنة الَّتِي ولى فِيهَا يزِيد (وَقد مَاتَ قبلهَا) وَكَانَ يَقُول لَو قلت لكم إِنَّكُم ستحرقون بَيت ربكُم وتقتلون ابْن نَبِيكُم لقلتم لَا أكذب من أبي هُرَيْرَة. . يَعْنِي قتل الْحُسَيْن وَقد وَقع بعده. . وَأخرج البُخَارِيّ وَغَيره من طَرِيق عمر بن يحيى بن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي قَالَ: أَخْبرنِي جدي قَالَ كنت جَالِسا مَعَ أبي هُرَيْرَة فِي مَسْجِد النَّبِي [ﷺ] ومعنا مَرْوَان (هُوَ ابْن الحكم بن أبي الْعَاصِ وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة لمعاوية) فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: سَمِعت الصَّادِق المصدوق [ﷺ] يَقُول
" هلكة أمتِي على أَيدي غلمة من قُرَيْش " فَقَالَ مَرْوَان لعنة الله عَلَيْهِم غلمة، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة لَو شِئْت أَن أَقُول بني فلَان وَبني فلَان لفَعَلت. . فَكنت أخرج مَعَ جدي إِلَى بني مَرْوَان حِين ملكوا الشَّام فَإِذا رَآهُمْ غلمانا أحداثا قَالَ لنا عَسى هَؤُلَاءِ أَن يَكُونُوا مِنْهُم. قُلْنَا أَنْت أعلم وَإِنَّمَا أهلكوا الْأمة بإفساد حكومتها الشَّرْعِيَّة الإصلاحية. . وَإِلَّا فقد وَسعوا ملكهَا بتغلب العصبية. .
قَالَ الْحَافِظ فِي شرح الحَدِيث قَالَ ابْن بطال: وَفِي هَذَا الحَدِيث حجَّة لما تقدم من ترك الْقيام على السُّلْطَان وَلَو جَار لِأَنَّهُ [ﷺ] أعلم أَبَا هُرَيْرَة بأسماء هَؤُلَاءِ وَلم يَأْمر بِالْخرُوجِ عَلَيْهِم، مَعَ إخْبَاره أَن هَلَاك الْأمة على أَيْديهم، لكَون الْخُرُوج أَشد فِي الْهَلَاك وَأقرب إِلَى الاستئصال من طاعتهم، فَاخْتَارَ أخف الضررين وأيسر الْأَمريْنِ. .
ونقول مَا ذكر من الْقَاعِدَة صَوَاب وَمَا قبله من تطبيق النَّازِلَة عَلَيْهَا لَا يَصح، فقد قاوم أهل الْحجاز فغلبوا على أَمرهم، وَالصَّوَاب مَا بَيناهُ من قبل من تفرق جمَاعَة، الْإِسْلَام العالمة العادلة فِي المماليك، وَكَون من بَقِي بالحجاز ضعفاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى المملكة الإسلامية الجديدة، فَلم يكن أَمر الْخُرُوج مُمكنا إِلَّا بعصبية كعصبيتهم كَمَا
1 / 54