وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول أفسد النَّاس اثْنَان: عَمْرو بن الْعَاصِ يَوْم أَشَارَ على مُعَاوِيَة بِرَفْع الْمَصَاحِف، وَذكر مفْسدَة التَّحْكِيم، والمغيرة بن شُعْبَة، وَذكر قصَّته إِذْ عَزله مُعَاوِيَة عَن الْكُوفَة فرشاه بالتمهيد لاستخلاف يزِيد فَأَعَادَهُ، قَالَ الْحسن فَمن أجل هَذَا بَايع هَؤُلَاءِ النَّاس لأبنائهم وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ شُورَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أ. هـ مُلَخصا من تَارِيخ الْخُلَفَاء.
وَهَذَا الَّذِي قَالَه الْحسن الْبَصْرِيّ من أَئِمَّة التَّابِعين مُوَافق لما قَالَه ذَلِك السياسي الألماني لأحد شرفاء الْحجاز من أَنه لَوْلَا مُعَاوِيَة لظلت حُكُومَة الْإِسْلَام على أَصْلهَا، ولساد الْإِسْلَام أوربة كلهَا، وَقد تقدم. .
وَقد اضْطربَ أهل الْأَهْوَاء وَمن لَا علم لَهُم بِشَيْء من حَقِيقَة الْإِسْلَام ونشأته إِلَّا من أَخْبَار المؤرخين وَهِي أمشاج لم يكن يُمَيّز صحيحها من ضعيفها وحقها من باطلها إِلَّا الْحفاظ من الْمُحدثين، فنجد من هَؤُلَاءِ من يمِيل إِلَى النواصب أَو الْخَوَارِج وَمن يرجح جَانب غلاة الشِّيعَة. . وَكَانَ أستاذنا الشَّيْخ حُسَيْن الجسر ينشد:
(من طالع التَّارِيخ مَعَ أَنه ... لم يتَمَسَّك باعتقاد سليم)
(أصبح شِيعِيًّا وَإِلَّا فَقل ... يخرج عَن نهج الْهدى الْمُسْتَقيم)
وَلذَلِك نجد فِي المصريين وَغَيرهم من المنتمين إِلَى مَذَاهِب السّنة - وعَلى غلو دهمائهم فِي تَعْظِيم آل الْبَيْت - من هُوَ ناصبي يفضل بني أُميَّة على العلويين وَيَزْعُم أَنهم أعزوا الْإِسْلَام وَأَقَامُوا الدّين، وَالتَّحْقِيق أَن فتح الْإِسْلَام لكثير من الْبِلَاد فِي أيامهم الَّذِي هُوَ حسنتهم الْعَظِيمَة كَانَ أمرا اقتضته طبيعة الْإِسْلَام والإصلاح الَّذِي جَاءَ بِهِ لإنقاذ الْبشر، وَلم يكن لغير عمر بن عبد الْعَزِيز مِنْهُم عمل انْفَرد بِهِ فِي إِقَامَة الدّين نَفسه، وَلم يكن لَهُم عمل فِي ذَلِك مُخْتَصّ بدولتهم بِحَيْثُ يُقَال إِنَّه لولاهم لرجع الْإِسْلَام الْقَهْقَرِي فِي الْعلم وَالْعَمَل أَو الْفَتْح، وَمَا كَانَ لَهُم من عمل حسن فِي هَذِه الْأُمُور فقد كَانَ لمن بعدهمْ من العباسيين مثله، وَكِلَاهُمَا تَابع فِي الدّين للخلفاء الرَّاشِدين لَا متبوع، وَأما الْأُمُور المدنية الَّتِي استتبعت الْفَتْح الإسلامي فَلِكُل من الْفَرِيقَيْنِ فِيهَا عمل، وَإِنَّمَا سَيِّئَة الأمويين الَّتِي لَا تغْفر ماسنوه فِي قَاعِدَة حُكُومَة الْإِسْلَام، حِين كَانَت انتخابية شُورَى فِي أولى
1 / 53