خواطر الخيال وإملاء الوجدان
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
ژانرها
يعتبر الألمان ملوكا للموسيقى حيث أنتجوا فحولها مثل: باخ وهندل وبيتهوفن وفيبر وموزار وشومان وغيرهم.
يصعب علينا أن نقبل نظرية «داروين» كما هي على علاتها، فإن هذا المؤرخ الطبيعي العظيم يريد أن يوجد سلسلة مستمرة تربط موسيقى الأناسي المتمدينين بمظاهر الغريزة التناسلية عند الحيوانات الدنيئة، ولكن توجد كما رأينا عدة حلقات تنقص هذه السلسلة وتظهر باختيارنا ما سبق عن الأمم المتوحشة، وبتغيير خفيف لا يزيد عن تأخير حد يكفي لأن يصير هذا المذهب مقبولا.
ومبلغ القول أن «داروين» لا يبتعد كثيرا عن علماء ما وراء المادة الألمانيين الذين يسندون إلى الموسيقى امتياز التعبير الأساسي عن أعماق نفوسنا، وما أساس كياننا غير الحياة والرغبة في إطالتها وتخليدها وإبلاغها إلى منتهى الكمال والسعادة.
تكلم المسيو «كلوديوس مادورول» في كتابه «سياحة في غينا» عن الزنوج وشدة شغفهم بالملذات والشهوات التي يؤسسون عليها موسيقاهم ورقصهم، فقال:
لا تلبث الشمس أن تغيب عن العيون إلا وترى أفريقية بأجمعها قد تحولت إلى أعياد تنطلق في أرجائها أصوات الطبول.
وهذا أشبه بالحفلات الموسيقية ذات الأوزان الغريبة التي تصدع الرءوس، وتنبعث في المساء عقب قيظ شديد من أنعام مختلفة سائمة في الحقول، وهذه الموسيقى الفخمة الوحشية لها معنى عظيم؛ إذ بالإصغاء إليها يفهم الإنسان شيئا من روح الطبيعة.
حينما يخيم الظلام ترى الناس غير قادرين على مغالبة رغبتهم في منح الحياة أبهى مظاهرها وإعادتها في أشكال جديدة أعظم وأجمل من سابقها، وما هذه الرغبة إلا الحب؛ إذ منه ينبعث هذا الصوت الفخم الجهوري الرنان صوت الكائنات الحية التي تريد الرقي وتدعوه.
موسيقانا أشبه بموسيقى الزنوج ولا مشاحة في أنها أعظم رقيا وتهذيبا، ولكنها تعبر بصيغ واضحة جلية عن ملذاتنا المتأصلة في أعماق نفوسنا، إنها تجمع وتطهر وترفع دعوة الجنسين لبعضهما، فتراهم في ليالي الصيف منتشرين في الخلوات كنسيج من الفتن والملذات، فيجد الحب بينهم مقاما أرفع منه في الشعر الخيالي.
وعلى هذا النمط سار نوابغ الموسيقيين؛ إذ كانوا مولعين بالحب، ومعظم تأثرات وانفعالات السامعين كانت من أصداء عواطفهم الأخيرة. (1-5) الموسيقى والسحر
السحر هو مجموع تمرينات يعتقد الإنسان أنه بواسطتها يجعل الطبيعة والأرواح التي تعمرها خاضعة لإرادته، يعترف الدين والسحر بالأرواح، ولكن علاقة الإنسان بالأرواح ليست واحدة في الدين والسحر؛ ففي الدين يبتهل الإنسان إلى رب قادر ويسأله بخشوع وتوسل عنايته الربانية ورحمته التي وسعت كل شيء، ولكنها تختلف في السحر؛ لأن الساحر لا يضرع ولا يرجو بل يأمر وينهى، إذن فالأعمال الدينية تستقي نفوذها الفعال من العواطف والنيات وهما شعار الدين، وفي السحر يعمل الساحر حسب مقتضيات قوانين مخصوصة دون أن تكون لعواطفه ونياته تأثير في أعماله، وهذه القوانين لا يستطيع الإنسان أن يقاومها أو يبطل مفعولها إلا إذا كان ساحرا.
صفحه نامشخص