وقال في موضع آخر: ومن اضطر ولم يأكل الميتة حتى مات ظنا منه أنها لا تحل له ولو اضطر، مات قاتلا نفسه، ولا يعذر بالجهل؛ لأن الجاهل في الموسع يعذر ما لم يقارف، وهذا قارف بترك التنجية الواجبة. وقد وجب طلب العلم قبل نزول الحادثة ليكون مستعدا لحدوثها وجوبا موسعا ما لم يقارف، فلو شاهد أحد صورة الربا بين اثنين ولم يعلم أن ذلك ربا وأنه محرم فلا بأس، وإن اعتقد حلها أو تولاها لأجلها أو تبرأ منهما لأجلها، أو كل من فعل ذلك من المقارفات هلك. وهكذا سائر المعاصي وقد قامت عليه الحجة بالكتاب والرسول صلى الله عليه وسلم والعقل، وليس كصاحب الجزيرة مثلا، ومن نزل الوحي ولم تتم مدة وصوله، وصاحب الجزيرة مثلا غير معذور في التوحيد؛ لأن في ذاته وسائر العالم آيات، ومعذور في سائر الفرائض حتى يسمع، وشكر المنعم واجب سمعا عندنا، ولا يجد إلى السمع سبيلا، وواجب عقلا في قول، فيجب عليه السعي في تحصيله وإن لم يجد سبيلا فهو معذور، وإلا دخل في قوله تعالى: {سألهم خزنتهآ ألم ياتكم نذير قالوا بلى قد جآءنا نذير ... } الخ [سورة الملك: 8 - 9] وقائل به موجود هنا.
وسئل عن الحاكم إذا لم يعرف وجه الحكم في قضية له عرضت، وجهل أمرها، فهل عليه السؤال عن ذلك ويلزمه الخروج فيه إلى من يسأله كما هو في الصلاة والصيام ونحوها؟ وكذلك من شاهد منكرا وجهل ما يلزمه فيه وكيف المعنى في قولهم: إذا لم يضيع حكما أو يبطل حقا أو يعطل حدا؟
الجواب والله المستعان: إن الحاكم إذا لم <1/ 64> يعرف حكما في مسألة فليسأل عنها عالما بها، بسفر أو رسول أو كتاب مع توثق في ذلك، أو يرد الخصمين إلى غيره ممن يثق به، وإن لم يجد ذلك وضاق الوقت فليصلح بينهما.
صفحه ۶۲