کلمات در مبادئ علم اخلاق
كلمات في مبادئ علم الأخلاق
ژانرها
فالخلق كما قلنا أمر معنوي، وهو صفة النفس وسجيتها. أما السلوك فهو أسلوب الأعمال ونهجها وعادتها، وما هو إلا مظهر الخلق ومرآته ودليله.
وإنه لكي تكون الأفعال علامة صحيحة على خلق صاحبها، لا بد أن يجتمع فيها عنصران؛ أحدهما: أن تتكرر الأفعال على نسق معين حتى تكون عادة مستقرة، وحتى تدل على قوة راسخة ونزعة ثابتة إلى هذه الأفعال؛ فإن الذي يدل على خلق المرء هو جملة تصرفاته في عامة الأوقات والأحوال المختلفة لا في النادر منها. الثاني: أن تقوم الأمارات على أن هذه الأفعال صادرة بطريقة انبعاثية عن النفس، وليست أثرا لأسباب خارجية، من الخوف أو الرجاء، أو الحياة أو الرياء، أو نحوها؛ مما يجعل صدور الأعمال تكلفا وتصنعا على خلاف سجية صاحبها، ويجعلنا نحكم بأن خلقه الحقيقي على النقيض مما يوحي به ظاهر هذه الأفعال.
وكما تتجلى العادات المستقرة في ثوب إيجابي، قد تبدو لنا في صورة سلبية. وهنا أيضا ينبغي أن نكون في يقظة وحذر عند إصدار أحكامنا؛ إذ قد يخفى علينا الخلق الحقيقي، لعدم البواعث والأسباب التي تقتضي ظهوره؛ كالفقير الذي لا يجد ما ينفقه، مع أن في نفسه نزعة البذل والسخاء، فلا تحكم عليه بالبخل لمجرد عدم إنفاقه، وكالشره الذي لا يجد ما يتناوله، فلا تحكم له بالعفة حتى تتهيأ الملابسات التي تبدي لنا كامن سجيته وشيمته. •••
سيقول قائل: إذا كان خلق الإنسان كما ذكرتم هو مزاج روحه، وهيئة نفسه الراسخة فيها، على غرارة الصورة الخلقية لبدنه، ألا يكون ذلك اعترافا من أول الأمر بأن الأخلاق فطرية دائما، لا سبيل إلى تغيير ما وجد منها، ولا إلى اكتساب ما ليس بحاصل فيها؟ وهذا الاعتراف ينطبق بلا ريب على بعض وجوه النظر في المسألة، ولكنه لا يساير جملة المذاهب فيها. فإذا سلمتموه أصبح علم الأخلاق وليس له موضوع متفق عليه، مسلم الثبوت في نفسه.
نقول: كلا، إن التعريفات المذكورة للخلق لا تنطوي على الاعتراف بشيء من هذه اللوازم؛ ذلك أننا نسمي خلقا كل قوة إرادية راسخة، نزاعة إلى الخير أو إلى الشر، سواء أكان هذا الرسوخ في كل أحواله من عمل الفطرة والجبلة ليس غير، كما يقول أهل الجبر، أم كان يحصل تارة بالجبلة والغريزة، وتارة بالكسب والرياضة، كما يقول غيرهم.
فها هنا إذن مذهبان، يجمل بنا تعرفهما، وبسط وجهة نظرهما.
فأما غلاة أهل الجبر، فهذا نموذج من أقوالهم:
يقول شوبنهاور (الفيلسوف الألماني): يولد الناس أخيارا أو أشرارا، كما يولد الحمل وديعا، والنمر مفترسا. وليس لعلم الأخلاق إلا أن يصف سيرة الناس وعوائدهم، كما يصف التاريخ الطبيعي حياة الحيوان.
ويقول كانت (الفيلسوف الألماني أيضا): إن الذي يشاهد موقف الإنسان في ظرف معين، ويعرف سوابق تصرفاته في مثل هذا الموقف، يستطيع أن يتنبأ تنبؤا صادقا بما سيفعله في هذا الظرف المعين، كما يتنبأ العالم الفلكي بكسوف الشمس وخسوف القمر في ساعة محدودة.
ويقول سبينوزا (الفيلسوف الهولندي): إن أفعال الناس، كغيرها من سائر الظواهر الطبيعية، تحدث ويمكن استنتاجها بالضرورة المنطقية الهندسية، كما يستنتج من طبيعة المثلث أن زواياه الثلاث تساوي زاويتين قائمتين.
صفحه نامشخص