فبعدَ صُدور هذه العِبارة منه وهو أخشى لله [وأتْقاه] (١) من أنْ يتكلم فِي كتابه الذي هو نتيجة علومه [ز١/ ١٢/أ] ومَعارِفه بما يفعَل خلافه على رؤوس الأشهاد، ولكي يتوهَّم صدور ذلك منه، وبفرض صحَّته عنه يتعيَّن حملُه على أنَّه إنما فعَلَه اضطرارًا لعروض حالٍ أزعَجَه وأخرَجَه عن اختِياره، وقد عرفت أنَّ هذه الحالة ليسَتْ من محلِّ الخلاف فاحفَظ ذلك وردَّ به على مَن زلَّ فِي هذه المسألة قدمُه، وطغَى فِي حُكمها فهمُه وقلَمُه، وسيأتي قريبًا عن السهروردي وغيره فِي التواجُد ما يُوضِّح ذلك.
وإذا بان لك هذا الذي ذكرته عن ذلك الإمام واتَّضح، ظهَر لك بُطلان نقل الأُدْفوي ومَن قلَّده خلافه فيه، وقلَّدهم صاحب هذا الكتاب من غير تأمُّلٍ؛ حيث عدَّ ممَّن حضَر السماع بالدُّفِّ والشَّبَّابَة هذا الإمام الذي قال فِي الغناء المجرَّد وفي مجرَّد ضَرْب يدٍ على يدٍ ما مرَّ، فكيف يقولُ هذا فِي ذلك ويحضر بنفسه الغناء المقترِن بالدُّفِّ والشَّبَّابَة، سبحانك هذا بهتان عظيم! والأُدْفوي هذا يتابع ابن طاهر فِي جميع كذباته كصاحب هذا الكتاب، ويعتمدها ويجعلها حجَّة له على ما يريد الانتصار به للصوفية المبرَّئِين من هذا السفساف، الأغنياء عن الانتصار لهم بأنَّ من شريطة طريقتهم ترْك المختَلَف فيه فكيف بالمُجمَع عليه، ومَن وقع منه خلاف ذلك منهم وصحَّ، أُجِيبَ عنه بأنَّ الوقائع الفعليَّة من المعصوم إذا أسقَطَ الاستدلالَ بها الاحتمالُ كما هو مقرَّر فِي الأصول، فأولى أنَّ ذلك يسقطه فيها إذا وقعَتْ من غير المعصوم؛ إذ ليست الحجة إلاَّ فِي الكتاب والسنَّة ونحوها من الأدلَّة المقرَّرة فِي الأصول، ونحن نجزم بأنَّه لم يقع عن أحدٍ
_________
(١) لعلَّها: وأتقى.
1 / 54