القسم الأول: ما اعتاد الناس استعماله عند محاولةِ عمَلٍ وحملِ ثقيلٍ، وقطع مفاوز سفر ترويحًا للنُّفوس وتنشيطًا لها؛ كحداء [ز١/ ٧/ب] الأعراب بإبلهم (١)، وغناء النساء لتسكين صِغارهن، ولعب الجواري بلعبهن، فهذا إذا سلم المغنِّي به من فحش وذِكر محرَّم كوصف الخمور والقَيْنَات لا شكَّ فِي جَوازه، ولا يختلف فيه، وربما يُندَب إليه إذا نشط على فعل خيرٍ كالحداء فِي الحج والغزو؛ ومن ثَمَّ ارتجز ﷺ هو والصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - فِي بناء المسجد (٢)، وحفر الخندق (٣)، وغيرهما كما هو مشهورٌ، وقد أمَر النبي ﷺ نساءَ الأنصار أنْ يقلن فِي عرسٍ لهن:
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ = فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ (٤)
_________
(١) الحداء: حدا الإبل وحدا بها يحدو حدوًا وحُداء ممدود زجرها خلفها وساقَها وتحادَتْ هي حدا بعضها بعضًا، والحدو سوق الإبل والغناء لها ("لسان العرب"؛ لابن منظور، مادة (حدا».
(٢) أورد ابن هشام في " السيرة النبوية " (٢/ ١٠٤) في قصة بناء مسجد المدينة: فأمر به رسول الله ﷺ أنْ يبني مسجدًا ونزل رسول الله ﷺ على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه، فعمل فيه رسول الله ﷺ ليُرغِّب المسلمين في العمل فيه، فعمل فيه المهاجرون والأنصار ودأبوا فيه، فقال قائلٌ من المسلمين:
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ = لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلِّلُ
ا. هـ.
(٣) أخرج البخاري (٣٧٩٥)، ومسلم (٤٧٧٥) من حديث أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا عيش إلا عيش الآخرة، فأصلح الأنصار والمهاجرة».
(٤) أخرجه ابن ماجَهْ (١٩٠٠) من حديث أبى الزبير عن ابن عباسٍ ﵄ قال: أنكحت عائشة ذات قَرابة لها من الأنصار، فجاء رسول الله ﷺ فقال: «أهديتم الفتاة» قالوا: نعم، قال: «أرسلتم معها مَن يُغنِّي؟» قالت: لا، فقال رسول الله ﷺ: «إنَّ الأنصار قومٌ فيهم غزلٌ، فلو بعثتم معها مَن يقول:
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ = فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (٢/ ١٠٧): هذا إسنادٌ رجاله ثقات، إلا أنَّ الأجلح مختلفٌ فيه، وأبو الزبير قال فيه ابن عيينة: يقولون: إنَّه لم يسمعْ من ابن عباس، وقال أبو حاتم: رأى ابن عباس رؤيةً، انتهى، وأصله في "صحيح البخاري" من حديث ابن عباس بغير هذا السِّياق، وله شاهد من حديث جابرٍ رواه النسائي في "الكبرى"، ورواه البيهقي في "سننه الكبرى" من حديث جابر عن عائشة، ورواه مسدَّد في "مسنده" من حديث جابر، ورواه أحمد بن منيع في "مسنده" من طريق أبي الزبير عن جابرٍ به، ا. هـ.
وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٣٢٦٥) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (٤/ ٢٨٩): رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه رواد بن الجراح وثَّقه أحمد وابن معين وابن حبان، وفيه ضعفٌ، وأحمد (٣/ ٣٩١)، والبيهقي (٣/ ٣٣٢) من حديث أبي الزبير عن جابر، وأحمد (٤/ ٧٧) من طريق عمرو بن يحيى المازنى عن جدِّه أبي حسن أنَّ النبى ﷺ كان يكرَهُ نكاحَ السرِّ حتى يضرب بدفٍّ ويُقال:
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ = فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ
وقال نور الدين الهيثمي في "المجمع" (٤/ ٢٨٩): رواه ابن أحمد، وفيه حسين بن عبدالله بن ضُمَيرة، وهو متروك.
1 / 38