جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
ژانرها
بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا
وآلت زعامة السخر بعده إلى المستهتر أبي نواس، فضحك الأدب العربي حتى بدت نواجذه. وكانت ثورة أدبية قوضت الخيام، وكبت اللبن، وأحلت الخوابي والدوارق على دست الحكم. وما أغنانا عن سرد شيء من شعر أبي نواس، فكل عربي يلم بطرف منه.
ويطوي الدهر مدرسة الخلعاء فيخلع الشعر طيلسانه، ويستعيد عباءته، فتتجهم الوجوه حتى يطلع ابن الرومي بسخره الذي يكشر له القارئ ولا يبتسم، ثم ينطوي العلم مع المتنبي، ولو أسرف أبو الطيب في سخره لفاز بسهمي فاطمة امرئ القيس، ولكن كبرياءه أبت عليه إلا التزمت والتوقر، وقديما جنت الكبرياء على الملائكة فبدلت الأجنحة الخضراء بأذناب سوداء وآذان وطواطية.
ولزم الشعر وقاره، حتى الساعة، فما بانت له سن، وانتهت به هذه العبوسة إلى الجفاف فاليبوسة.
أما النثر فما نبه له شأن قبل الجاحظ، أنزله هذا الزعيم العبقري منزلة الشعر، فانفتحت بوجهه القصور. كانت عناكب الأقلام لا تنسج خيوطها إلا حول رجال الحول والطول والأبهة والوقار، فإذا بها في يد الجاحظ تدور حول عبد الرحمن وأضرابه، فخلق الأدب الشعبي. جد الجاحظ ضاحكا، وتفلسف ساخرا، وحل أخطر المعضلات وأدقها هازئا، فكان كل من جاء بعده عيالا عليه حقا، فهو أستاذ الأصبهاني في أغانيه، وهادي أبي العلاء إلى سلاح العميان وعتادهم.
قرأت في ملحق لكتاب اليتيمة قال فيه مؤلفه إنه عرف في المعرة شاعرا ظريفا، يعني أبا العلاء. لم أستغرب نعت أبي العلاء بالظرف، فالرجل ظريف أي ظريف، ولئن لبس الثوب المفروض ليدخل ديوان العرب، فقد خلعه في رسالة الغفران ووقف بين الخالدين.
ونام السخر نومة آل الكهف حتى أيقظه الشدياق في منتصف القرن التاسع عشر، فكتب «الفارياق» و«الواسطة» و«كشف المخبأ»، فأخرج العقل العربي من دياميس الحريري وكهوف القاضي الفاضل، فابتسم الأدب حينا، ثم عاد إلى تجهمه، لا يتجه زعماؤه إلى هذا الصواب كأنهم مسمرون على صلبانهم، ما خلا كاتبا واحدا طواه الموت منذ أعوام هو فيلسوف الفريكة، فدبت روح المرح، وفاضت الابتسامة على حفافي كتب رحلاته، من «ملوك العرب» إلى «قلب لبنان».
ثم كانت الضحكات الغامضة النادرة في كلام الكاتب العبقري عمر فاخوري، رحمهما الله وخلف علينا.
أدب الظل
كان أقصى أماني الأديب أن يشارف قصر ملك أو أمير، والسعيد من ينفتح له الباب ويدنو من السدة والسرير؛ حيث ينعم بعيش أخضر فيوهب ويهب حتى الغلمان والجواري والضياع إن صار وزيرا؛ فحسن التحرير والتحبير كان سلما للوزارة، كما قال المأمون لأحدهم حين جود كتابا عرضه عليه.
صفحه نامشخص