نسلکشی: زمین، نژاد و تاریخ
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
ژانرها
تحول الجنود الفارون من الخدمة العسكرية داخل الأراضي العثمانية إلى مجموعات قتالية صغيرة، حاولت زعزعة الأمن في المدن وقطع طرق الإمداد للجيش العثماني ومهاجمة خطوط التلغراف بين الوحدات العسكرية، واستخدمت الأسلحة التي تم تهريبها طوال الفترات الماضية من روسيا وإيران، في استمرار عمل هذه المجموعات الثورية.
كانت معركة صاريقاميش على الحدود العثمانية الروسية من جهة أرضروم القشة التي قصمت ظهر البعير في شرق الأناضول بالنسبة للقوات العثمانية؛ إذ جازف أنور باشا بإرسال تسعين ألفا من الجنود في أجواء برد قارسة وعواصف ثلجية ليتسللوا جبل الله أكبر ويفاجئوا العدو الروسي بحركة غير متوقعة، لكن التجهيزات العسكرية لتلك الأجواء الثلجية لم تكن كافية، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الجنود العرب في جيش أنور باشا الذين لم يستطيعوا تحمل تلك الأجواء القارسة فسقط عشرات الآلاف من البرد على سفح الجبل وخسر العثمانيون المعركة قبل بدايتها، كانت تلك الخطوة الجنونية من أنور باشا سببا كبيرا في تقهقر العثمانيين في شرق الأناضول.
كان أرتين مع مجموعة من الجنود الأرمن الذين فروا من الجيش العثماني باتجاه الحدود الروسية، قرب «بحيرة بالق» الصغيرة، ثم انضمت المجموعة إلى القوات الروسية الزاحفة نحو مدينة وان.
دهش أرتين وهو يسير بين جنود المشاة الروسية بالأسلحة الحديثة التي يحملها الجنود والعربات العسكرية والمدرعات والمدافع التي تجرها سيارات خاصة، كان لأول مرة في حياته يشاهد جيشا منتظما ومسلحا بهذا القدر، شعر أن الجنود الأرمن الفارين من الجيش العثماني عنصر نشاز بينهم، أو قوة فائضة لا يمتلكون ميزة إلا معرفة جغرافية المنطقة والقرى الأرمنية منها والكردية أو التركية.
الفصل الخامس والثلاثون
القدس - فلسطين 1946م
كانت شمس ذلك اليوم تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي على حافة السماء البعيدة، تحيط بها هالة من اللون الأحمر الممزوج بالأصفر الداكن، وكأنهما يشيعانه إلى مثواه الأخير معلنين نهاية النهار، ولعل نهاية اليوم نفسه؛ ففي معركة بني إسرائيل مع القوم الجبارين هنا في أرض فلسطين استمرت المعركة إلى حين الغروب فخشي نبي الله يوشع بن نون أن تغيب شمس الجمعة بالكامل فيحرم عليهم القتال بدخول يوم السبت، فنادى: «اللهم احبسها علينا.» فاستجيبت دعوته وتوقفت الشمس عن الحركة حتى أتاهم النصر ودخلوا بيت المقدس، ثم عادت الشمس إلى حركتها الطبيعية فدلت تلك الحادثة على أن نهاية اليوم كانت مع غروب الشمس ولم تكن لحين منتصف الليل.
عند الزقاق المؤدي إلى البيت انتبه حسن إلى رجل بالزي الريفي متلثم بكوفية لا ترى من وجهه إلا عيناه، قد انبثق على عجل من بيت أبي هشام، مر الرجل من جانبه كالبرق وهو يحمل ظرفا توضع فيه الأوراق المهمة عادة. كانت الأزقة خاوية على عروشها وحسن عائد من حارة الأرمن بعد وصولهم من جنين فكر الطريق كله وتساءل، يا ترى من يكون هذا الشخص الغريب؟ لم يخطر في ذهنه إلا أن أبا هشام يدعم المقاومة بماله أيضا، اختلجه شعور بالتعظيم لعائلة أعز صديق لديه، كم ستكون فلسطين مدينة لهذه العائلة العظيمة، أب يمنع الأرض عن اليهود ويدعم المقاومة بماله، وابن يقاتل في سبيل الأرض والوطن .. أخذ نفسا عميقا وتمنى أن يكون كاتبا يوما ما ليخلد أسماءهم على صفحات التاريخ.
لم تكن تلك حادثة عابرة؛ ففي اليوم التالي اختفت عائلة أبي هشام من الحي كله، تجمع أهل الحارة عند الباب، طرقوه مرات عديدة ولم يخرج لهم أحد، بدأ الناس يتساءلون عن سر اختفائهم، فقال أبو أحمد حلاق الحارة: يا أهل الحارة ، إن أبا هشام لا يختفي هكذا دون أن يعلم أحدا بذلك، لا بد أنه أخبر أحدا من أهل الحي.
التفت إلى أبي خالد وكأنه يقصده ثم استرسل: ومن حق الجيرة عليه أن يخبرنا ويطمئننا عنه، فهو عزيز علينا جميعا ونحن نفخر بوجود رجل كأبي هشام بحينا وإن كان قد تعرض لتهديد أو مخاطر فنحن له سد منيع ونفديه بأرواحنا.
صفحه نامشخص