ثم ولاة الأعمال وكفات الأئمة وثقات الأمة وأرباب البيوت القديمة والأحساب الكريمة، فقرب مجالسهم(1) وارفع منازلهم واقبل شفاعتهم، واسعف سائلهم ما لم تضيع بذلك حدا أو تغير حكما أو تفسد السياسة الصالحة رسما، ثم عليك أن تحسن صحبة من معك من الجند وأن تكثر عرضهم لا سيما في كل اثنين وخميس وأن تعظم الأنجاب الأنجاد منهم وتنزلهم منازلهم وتوفيهم مقاديرهم، وليكن ذلك وما يصير إليهم من العطاء على حسب ما لكل من الصبر والبلاء، لا على قدر المحبة والهوى، وكف من معك من الجند والحاشية عن التخطي إلى ظلم أحد من الرعية أو مساءتهم بأذية، وتول إمامة جماعتهم، وحافظ على أوقات الصلوات المعلومة وأحيانها المحتومة، وعلى ما لها من الشرائط من مثل ترتيل القراءة واستماع الخطبة، ووضع كل شيء موضعه، ثم الرعية فإذا قدمت على السلامة فأكد على من تقدم عليه الأمر بإقام الصلاة وأعظمها صلاة الجمعة، فإن كثيرا ممن لا يعذره الشرع يتساهل فيها. وإيتاء الزكاة، ثم اجعلها في دار، والفطرة في دار أخرى، ثم الإصحار لهم بالأمر بالمعروف على مراتبه، والنهي عن المنكر على شرائطه، وقرر عندهم أنه ليس أحد فوق أن يؤمر بطاعة الله، ولا دون أن ينهى عن معصيته، وأن النجاة والسلامة في متابعة أهل البيت -عليهم السلام- في أقوالهم وأفعالهم وأن الإمام هو الذريعة إلى ذلك والسلوك في سبيل طاعته، هو أئمن(2) المسالك، فعرفهم ما أوجب الله من حقنا وأكد من وجوب محبتنا، وما ألزمه الله سبحانه من معونتنا التي هي معونة لهم في الحقيقة بالنفس والمال، والوقوف على حدود أوامرنا ومراسمنا في جميع الأحوال، واعلمهم بحسن رأينا فيهم وتوجيه الصلاح وإيثار الإحسان إليهم، والعدل فيهم ودفع الضيم عنهم وعلمهم أن يسلموا حقوق الله من الأموال على وجوهها، لا يغلون منها شيئا، وأن الله جعل الفرائض في المال قسمين: قسم لا يسقط بحال مع وجوده وهو عشر ما أخرجت الأرض، وربع عشر ما يتقلب فيه التجار، وقسم: يأخذه الإمام في بعض الأحوال [69/ب] وهو هذه المعاون ويدعه في بعض، فإن هذه المعاون يجب على الإمام أن يكثر من أخذها عند شدة الحاجة ويقل عند قلتها، ويترك عند عدمها، فمرهم بأداء الزكاة وهذه المعاون لا تغلوا منها شيئا وأن من سلمها بطيبة من نفسه إستحق بها رضوان الله وثوابه وأكرم لديه مآبه وآمن عقابه. وأن من امتنع فخذهما منه كرها، ويكون ثوابهما لنا وعقابهما عليه، وقل لهم: إن الإمام أمرنا أن نأخذ العشر مما أخرجت الأرض من قليل وكثير، ولا تعتبر نصابا ولا تراعي قدرا معلوما إلا في مقدار ما يعطي الإمام بعض مصارف(1) الصدقة كالفقراء فيعطيهم إلى قدر النصاب فقط. وعليك أن تمنع منهم الظلم والتهارج، فإن وقع والعياذ بالله نصرت المظلوم حتى يستوفي حقه ويصل إلى غرضه وحقرت الظالم وأدبته إن تمادى في طغيانه وعلى قدر جرمه وإسائته. ومن فعل معصية مما يوجب الجلد جلد، ومن أستحق القطع قطع بعد التبصر في أمره وتظاهر فتوى من أهل الورع باستحقاق ذلك، وإن استحق القتل بالفساد في الأرض قتل وما أشبه ذلك من هذه الأشياء. أو على من ينتصب قاضيا رفعتم ذلك إلينا لنأمركم فيه بحكم الله فإن الله لم ينزل حكما يجب علينا ويدخل تحت تكليفنا إلا وقد دل عليه. ونأمرك أن ترد على أمر القضاة كل مبيع بيع بدون قيمته كبيع الرهان ونحوه، وكذا غلته وأن يقصر المشتري على قبض مثل ثمنه، وكذا الإقرارات التي علم أن قصد صاحبها غير ظاهر قوله، كما في مسائل السلف والمشاعرة لكل رأس ماله لا تظلمون ولا تظلمون. وأعلمهم أن المعاون التي تطلب لو علمنا براءته ذمة الناس وتخلصهم عن المظالم والحقوق جملة. وعلمهم بالشريعة في المواريث وفي المعاملات بترك الرباء الذي هو من أعظم الكبائر لكان علينا أن نأخذها منهم للدفاع عنهم، كيف والحال هذه وأن الواحد منهم إذا حافظ على حق وتخلص منه أخل بآخر، والأكثر منهم مخل بالجميع وحيث قد تعين أخذ شيء منها، فإنما يؤخذ للدفاع فيوضع في أهله وهم المتجندة، أو يعدلهم لتسكن نفوسهم إن ناب شيء والعياذ بالله فلا حظ فيها لغيرهم من سائر المصارف من أهل العلم وسائر المساكين [70/أ] بل كل من وجد من هؤلاء، فإنه مأمور بتسليم القسط من ذلك من إمام أو مأمون أو قاص أو دان.
وعلى ذلك مضت السنة النبوية فإن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- هم بإعطاء الأحزاب ثلث ثمار المدينة، ومن لديه من المساكين يتضورون، فقدم المصلحة العامة وهي الدفاع على الخاصة كما أعد إبل الصدقة التي استاقها العرنيون(1) وقد أمرهم أن يخرجوا إليها ليشربوا من ألبانها وأبوالها، فأقاموا حتى خمصت بطونهم وانطوت الحبا(2) فإنه -صلى الله عليه وآله وسلم- تركها مدة لما ينوب من إجازة الوافد ونحوه، وأهل الصفة نحو أربعمائة يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا يتضورون ويرضخون النوى بالأجرة. ومن ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أخذ مال الغنيمة يوم خيبر(3) وتألف به وليس له منه إلا سهم على ما اختاره أهل المذهب.
وبقيت طائفة وهي وإن تأخرت ذكرا فهي مقدمة قدرا وهم الضعفاء والمساكين من الأيتام والأرامل فلا يضاع حقهم، ولا ينسى ما أوصى الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيهم-، وما أمر به من إكرامهم والتحنن والصدقة عليهم، فإن بهم يستدفع البلاء ويستنزل القطر من السماء وتنقشع جلابيب البلوى، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: ((صدقة المرء المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء ويذهب الله بها الفخر والكبر)).
صفحه ۱۷۹