ثم إنه خرج من صعدة بعض السادة إلى بلاد خولان، فشوشوا على الرعية وطعنوا في السيرة الإمامية لأغراض، فخرج من مشائخ خولان وكبارهم نحو من سبعين رجلا إلى الإمام -عليه السلام- فشكوا عليه فوضع قانون المطلوب منهم، ورخص لهم في الكلام وآنسهم وأعطاهم، فعادوا وقد تصور لهم أن الإمام -عليه السلام- يحب رفع يد مولانا أحمد حماه الله فلم يتلقوا أوامره بما يحق لها فعرف إلى الإمام -عليه السلام- وكان رأيه أن يخرج عليهم فأمره الإمام -عليه السلام- بالأناة وعاود الإمام تعريفهم فلم يثمر ذلك، وأحوجوه إلى أن أرسل عسكرا كثيرا فلم تصلح أمورهم بل ازدادوا تماديا وفي كل وقت يزداد عصيانهم، ومنعوا أكثر بلادهم واقتدى بهم غيرهم واقتدى، فكاد الشام يفسد(1) جميعه، فرجح من في صعدة من العيون دخول الإمام -عليه السلام- ووصل إليه بعضهم لذلك، وهم الإمام -عليه السلام- بدخول الشام، ثم إنه بداء له التأخير وتوجيه مولانا الحسن رحمه الله تعالى وكانت طريقه بلاد حيدان على سبيل الإقتضاب، ولا يظن خولان أن طريقه إلا صعدة، فلما وصل إلى بلاد حيدان [68/أ] ومعه عيون السادة والعسكر المنصور بالله ما يدنو من الألفين، ولما استقر في حيدان وصله أعيان خولان والعسكر وبسط لهم جانبه ولسانه، وسارعوا إليه ولم يبق إلا القليل، ثم طالبهم بالحقوق وما عندهم من العوائد، فبعدوا عليه وطمعوا فيه، فما شعر إلا وقد نقضوا ذلك، وأغاروا على أطراف المحطة. وقد خرج مولانا أحمد بن أمير المؤمنين أطال الله بقاه من صعدة بعسكر ضخم وما يحتاجوا إليه، وسار إلى ساقين وجموع خولان ناصبون الحرب على مولانا الحسن رحمه الله، فأرسل إلى أخيه صفي الدين والسيد الرئيس أحمد بن المهدي ومن معهما بالصعود إلى وشخة أعلى بلاد خولان، ولما عرفوا أن جنود صعدة من فوقهم فشلوا، ثم خرجت عليهم العساكر الإمامية من حيدان فهزموهم وفرقوهم والقتل قليل لأنهم لم يثبتوا لحرب، فدخل العسكر المنصور شعب حي وهدموا دورها وانتهبوا ما فيها، وأحرقوا بيوت من دخل في الفساد وطاروا على وجوههم، وقد امتلأت أيدي العسكر من الغنائم وامتلأت نواحي حيدان من الأنعام وأرسلوا إلى الإمام -عليه السلام- كثيرا منها. فلما رآها قد ملأت جوانب بيته في درب الأمير تأوه وقال: والله لقد أبلغت المجهود في الصبر عليهم، ولقد راسلتهم تسعة أشهر وهم يزدادون في كل وقت عصيانا. وكان الشيخ قاسم بن محمد بن روكان رأس الفساد، فانكسرت رجله من أعلى ركبته حال الهرب. ثم استأمنوا فأمنهم وصلحوا وتفرق العسكر في بلادهم على الحقوق والعوائد التي أخذوها، فعاد مولانا الحسن رحمه الله ومولانا الصفي أطال الله بقاه إلى ساقين(1)، وقد غلظ عسكرهما حتى بلغوا خمسة آلاف، ولما استوفوا من خولان ما يجب عليهم التفتوا إلى غيرهم من شام صعدة ومشارقها ونجران(2) وجهاتها، وأمنوا السبل في جميع الجهات، ثم عاد إلى صعدة المحروسة بالله وظاهر الحال عند أهل الشام أن الولاية لمولانا أحمد وإنما مولانا الحسن -رضوان الله عليه- باق حتى يصلح الشام والإيراد والإصدار في جميع البلاد إلى الحسن -رضوان الله عليه- ولا يقولون إنما لمولانا أحمد كلام في محضر أخيه لعظيم حقه [68/ب] ولأنه أكبر منه سنا، فوصل من مولانا أمير المؤمنين -عليه السلام- هذا العهد لمولانا الحسن بن أمير المؤمنين رحمه الله تعالى فكتمه أياما حياء من أخيه ثم إنه ظهر ذكره، ولما عرف مولانا أحمد امتثل واكتفى بأخيه وكانا كما ينبغي من مثلهما وكما يليق بشريف منصبهما من التعاون ورعاية الحقوق وهذا لفظ العهد:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على رسله الكرام.
صفحه ۱۷۵