[الكهف: 55]، وقوله:
وماذا عليهم لو آمنوا
[النساء: 39].
والقول الحق في ذلك أن إخبار الله عز وجل بعدم إيمانهم إنما هو إخبار عما علمه من حالهم، فلا يسقط ذلك تكليفهم بالايمان، ولا يدل على أنهم طولبوا بما هم عاجزون عنه، فإنهم كانوا قادرين على التسليم، وإنما باعدهم عنه ما رسخ في نفوسهم من كراهة الحق، وعداوة أهله.
ويرى العلامة ابن عاشور أن الاختلاف في هذه المسألة ناشئ عن الالتباس الحاصل من مفهوم المحال، فهو يطلق على ما هو محال عقلا، كجمع النقيضين، ومحال عادة، كصعود السماء، وما فيه حرج وإعنات كذبح المرء ولده، ووقوف الواحد لعشرة من أقرانه، وما عرضت له الاستحالة بالنظر إلى شيء آخر، كإيمان من علم الله عدم إيمانه وحج من علم الله أنه لا يحج، وكل ذلك مندرج فيما لا يطاق كما في قوله سبحانه: { ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } ، فإن المراد بذلك ما يشق على النفس مشقة عظيمة، وأطلق لفظ المحال على كل واحد من هذه الأقسام حقيقة ومطابقة في بعضها، والتزاما في البعض ومجازا في البعض.
وأطلق عليها عدم المقدور كذلك، كما أطلق الجواز على الامكان وعلى الامكان للحكمة، وعلى الوقوع، فكان ذلك منشأ الاختلاف الذي ملأ الفضاء حتى جاء من فتح إغلاق الاشكال بمفاتيح التحرير، فتبين أن الجواز الامكاني ثابت لأن يفعل ما يشاء لو شاء، وثبت أن الجواز الملائم للحكمة منتف عند الطائفتين وإن اختلفتا في تفسير الحكمة، لاتفاق الكل على أن فائدة التكليف تنعدم إذا كان المكلف به متعذر الوقوع، وثبت أن الممتنع لتعلق العلم بعدم وقوعه مكلف به جوازا ووقوعا، وجل التكاليف لا تخلو من ذلك، وثبت ما هو أخص وهو رفع الحرج الخارجي عن الحد المتعارف تفضلا من الله تعالى لقوله:
وما جعل عليكم في الدين من حرج
[الحج: 78]، وقوله:
علم أن لن تحصوه فتاب عليكم
[المزمل: 20]، أي لا تطيقونه كما أشار إليه ابن العربي في الأحكام. انتهى المراد من كلامه بتصرف.
صفحه نامشخص