مهمة الداعي الاصلاح:
وإنما واجب الرسول صلى الله عليه وسلم القيام بما أمر به من الانذار والتبليغ، وليس في مقدوره ولا في مقدور أحد من الناس تمكين الهداية من القلوب، وإنما هو من مقدور الله وحده، وفائدة تبليغ هؤلاء - مع القطع بعدم تقبلهم - إقامة حجة الله عليهم لئلا يقولوا:
ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى
[طه: 134]. وفي ذلك إيماء إلى أن مهمة الداعي محاولة استصلاح الناس وإن أيس من نجاح هذه المحاولة، كما سيأتي إن شاء الله موضحا في موضعه.
وتعدية سواء بعلى للدلالة على التمكن، فقد سبق أن على تفيد الاستعلاء، وهو يقتضي تمكن المستعلي من المستعلى عليه، ويراد به هنا استواء الانذار وعدمه عند هؤلاء المعنيين.
وقوله { لا يؤمنون } يفيد تقرير ما تقدم، وهو إما تأكيد له، وإما خبر بعد خبر، ولا يصح أن يكون خبر إن، وجملة { سوآء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } اعتراضية وإن جوزه صاحب الكشاف لأن فائدة الاخبار بيان استواء الانذار وعدمه لا إفادة عدم إيمانهم فحسب.
لا يكلف الله إلا بما في وسع المكلفين:
هذا وقد تشبث بهذه الآية كثير من القائلين بجواز التكليف بالمحال ووقوعه، ووجه استدلالهم أن الله سبحانه أخبر عن هؤلاء الكفار بعدم إيمانهم، واستواء الانذار وعدمه عليهم، وهم مع ذلك مخاطبون بالايمان مكلفون به مع عدم جواز تبديل شيء من كلمات الله تعالى، وهو يعني أنهم مطالبون بأن يؤمنوا أنهم لا يؤمنون لاندراج ذلك فيما طولبوا بالايمان به من الكتاب. هذا ملخص ما يقولونه، ولهم في الاستدلال لذلك مسالك متشعبة ووجوه مختلفة، وكأني بهؤلاء يتصاممون عن قوله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، وقوله: { لا يكلف الله نفسا إلا مآ آتاها }.
والآيات الدالة على أن عدم إيمان الكفار ناتج عن عنادهم وإخلادهم إلى الضلالة، وإصرارهم على الباطل، كقوله تعالى:
وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جآءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا
صفحه نامشخص