جواهر البلاغه
جواهر البلاغة: في المعاني والبيان والبديع
ناشر
المكتبة العصرية
محل انتشار
بيروت
ژانرها
ويؤتى بالخبر من هذا الضرب حين يكون المخاطب شاكَّا في مدلول الخبر، طالبًا التثبت من صدقه.
ثالثًا - أن يكون المخاطب منكرًا للخبر الذي يراد إلقاؤه إليه، معتقدًا خلافه فيجب تأكيد الكلام له بمؤكد أو مؤكدين أو أكثرَ، على حسب حاله من الانكار، قوة - وضعفًا نحو: إن أخاك قادمٌ - أو إنه لقادم - أو والله إنه لقادم أو لعمري: إن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.
ويسمى هذا الضرب من الخبر (إنكاريًا) ويؤتى بالخبر من هذا الضرب حين يكون المخاطب مُنكرا، واعلم أنه كما يكون التأكيد في الاثبات، يكون في النفي أيضًا، نحو: ما المقتصد بمفتقر، ونحو: والله ما المُستشير بنادم.
تنبيهات
الأول: لتوكيد الخبر أدوات كثيرة، وأشهرها إن، وأن، ولام الابتداء، وأحرف التنبيه، والقسم، ونونا التوكيد، والحروف الزائدة (كتفعل واستفعل) والتكرار، وقد، وأما الشرطية، وإنما وإسمية الجملة، وضمير الفصل، وتقديم الفاعل المعنوي.
الثاني: يسمى إخراج الكلام على الأضرب الثلاثة السابقة إخراجًا على مقتضى ظاهر الحال (١)
وقد تقتضى الأحوال العدول عن مقتضى الظاهر، ويورد الكلام على خلافه لاعتبارات يلحظها المتكلم (وسلوك هذه الطريقة شعبة من البلاغة) .
(١) منها: تنزيل العالم بفائدة الخبر، أو لازمها، وبهما معًا - منزلة الجاهلِ بذلك، لعدم جريه على موجب علمه، فيلقى إليه الخبر كما يلقى إلى الجاهل به، كقولك: لمن يعلم وجوب الصلاة، وهو لا يصلي «الصلاة واجبة» توبيخًا له على عدم عمله بمقتضى علمه وكقولك لمن يؤذي أباه - هذا أبوك.
(٢) ومنها: تنزيل خالي الذهن منزلة السائل المتردد، إذا تقدم في الكلام ما يشير إلى حكم الخبر كقوله تعالى (وما ابرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) فمدخول إن مؤكد لمضمون ما تقدمه، لإشعاره بالتردد، فيما تضمنه مدخولها- وكقوله تعالى «ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون»
لما أمر المولى «نوحًا» أوّلا بصنع الفلك، ونهاه ثانيا عن مخاطبته بالشفاعة
_________
(١) اعلم أن (الحال) هو الأمر الداعي إلى إيراد الكلام مكيفا بكيفية ما سواء أكان ذلك الأمر الداعي ثابتا في الواقع، أو كان ثبوته بالنظر لما عند المتكلم كتنزيل المخاطب غير السائل منزلة السائل.
(وظاهر الحال) هو الأمر الداعي إلى ايراد الكلام مكيفا بكيفية مخصوصة بشرط أن يكون ذلك الأمر الداعي ثابتًا في الواقع فكل كيفية اقتضاها ظاهر الحال اقتضاها الحال، وليس كل كيفية اقتضاها لاحال اقتضاها ظاهره.
1 / 58