ونحن فكذلك فعلنا، وبه صلى الله عليه في ذلك اقتدينا، ثم احتطنا من بعد ذلك باستحلاف من أمرناه بخرص الثمار، فإذا أردنا أن نوجه قوما يخرصونها من ثقات من نعلم، وأبصر من يفهم ويخرص الثمار، ممن قد جرب فهمه، وامتحن في ذلك نفسه، ثم امتحنه فيه غيره، حتى صح أنه أقرب أهل بلده إلى المعرفة بما وجهناه له من حرز التمر فيخرصه، ثم نستحلفه بأوكد ما يحلف به لتنصحن، ولتجتهدن، ولتحرصن، ولتقصدن الحق بجهدك، ولتحرينه بطاقتك، ولا تعمدن لمسلم غشا، ولا لمال الله وكسا (1)، ولئن شككت (2) في شيء من ذلك، أو التبس عليك، لتجعلن الحمل على أموال الله دون أموال عباده، ثم ننفذه فيما به أمرناه، فيجتهد ويحرص، ويكتب ما يحزر، ويخرص (3)، فإن شكا أحد من الناس بعد ذلك غبنا فيما خرص عليه وحزر؛ استحلفناه على ما أتى من ثمره وصدقناه، وأخذنامنه على ما حلف عليه وتركناه.
وكذلك قد نخير من خرصنا عليه نخله؛ فنقول: إن شئت فخذ بما قد خرصنا، وإن شئت أخذنا وأوفيناك حقك على ما خرصنا وقسمنا. فهل على من فعل ذلك حيف وجور، أو تحامل في شيء من الأمور؟ أم على من اقتدى برسول الله صلى الله عليه مطعن في مقال من المقال، أو تعنيف (4) في فعل من احتذى به فيه كائنا ما كان من الأفعال؟ كلا وفالق الإصباح، ومجري الرياح؛ أن من كان كذلك لبعيد من الخطأ في كل ذلك. وليس يلزم أهل العلم فيما يفعلون من الفعال(5)؛ إنكار من لا علم له من أهل الجهل، وإنما قول العلماء؛ هو الحاكم على أقاويل الجهلاء، وليس أقاويل الجهلاء بأهل أن يحكم بها على العلماء. والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وسلام على المرسلين.
[أخذ المال غير الواجب للاستعانة في الجهاد]
صفحه ۷۶۴